دائرة الترجمة العربية

Abdelmeguid Hassan

Translation & Editing:

Quality Care

 

April 28, 2008

 

 

 

ترجمة الوثائق وتحريرها: العناية بالجودة

 

 

 

مقدمــــة

         يهمنا كمترجمين للغات الأمم المتحدة أن نصدر الوثائق في حينها فلا تتأخر لغة عن أخرى، ونادرا ما يحدث تأخير في الإصدار. ومن ثم، ففيما يتعلق بمسألة الكم تستطيع الدوائر، وبالتأكيد دائرتنا العربية، أن تفي بالمواعيد التي تحددها "مراقبة الوثائق" على ضوء مواعيد الاجتماعات وبالتفاوض مع الدوائر. هذا عن مسألة الكم. المسألة الأخرى أو الشق الآخر من الموضوع، هو الجودة: جودة ما تنتجه الدوائر وما يصل إلى أيدي الوفود. فهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه كل مترجم لأي لغة من لغات الأمم المتحدة.

         وهذا التحدي منشؤه حساسية المواضيع وانتشار التوزيع. فالأمم المتحدة هيئة سياسية تحاول فيها الوفود أن تصل إلى طريق وسط وترتضي حلولا تعرف أحيانا أنها مؤقتة ربما تعالج الأعراض على أمل اختفاء الأدواء. فالصين الشعبية ترضى بذكر اسم تايوان في وثائق الأمم المتحدة بشرط أن توضع بعد الاسم عبارة (مقاطعة صينية) (Taiwan (province of China)). وتايوان لاتوافق ولكن ما الحيلة فهي ليست عضوا بالأمم المتحدة كما كانت قبل الاعتراف بالصين الشعبية. ومؤخرا طلبت تايوان من Google ألا يذكر اسمها على الخرائط مقرونا بعبارة "مقاطعة صينية". والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية تدخل في معارك ساخنة مع الأرجنتين، وفي الأمم المتحدة يرتضي البلدان تسمية الجزر موضع الخلاف باسمين: "جزر مالفيناس" (Las Islas Malvinas) أو (Las Malvinas) في الإسبانية و"جزر فوكلاند"  (Falkland Islands) في الإنكليزية. وبعد انفصال منطقة مقدونيا عن يوغوسلافيا لم توافق اليونان على استعمال التسمية "مقدونيا" لتجنب أية أطماع مقبلة في أراضي مقدونيا الواقعة في المنطقة الشمالية من اليونان، ويرضى الطرفان، ولو مؤقتا، باستعمال تسمية غريبة هي: "جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة"(Former Yougslav Republic of Macedonia) . وهذا لم يمنع تركيا، ومعروف علاقتها باليونان، وبخاصة في قبرص، من استعمال اسم "مقدونيا" وطلبها ذكر ذلك في حواش للوثائق؛ مثال ذلك ما جاء في إحدى وثائق مجلس الأمن .(S/2008/36) فبهذه الوثيقة حاشية تقول: "Turkey recognizes the Republic of Macedonia with its constitutional name" (تعترف تركيا بجمهورية مقدونيا باسمها الدستوري). والأمم المتحدة تحتاط دائما وتضع حواشي لإخلاء مسؤوليتها عن استعمال تسميات قد ترضى بها أطراف و ترفضها أخرى. من أمثلة ذلك هذه الملاحظة: "... التسميات المستعملة لا تنطوي مطلقا على الإعراب عن أي رأي من جانب الأمانة العامة للأمم المتحدة".(… the designations employed do not imply the expression of any opinion whatsoever on the part of the Secretariat of the United Nations).

         ومما يزيد أعباءنا ثقلا تنوع جمهور القراء والمهتمين داخل الأمم المتحدة وخارجها. فكلهم ينشدون الجودة ويطلبونها سواء كانوا يناقشون اتفاقية في اللجنة السادسة أو في لجنة القانون الدولي أو يدرسون أو يتابعون دراسة أزمة من الأزمات السياسية في قاعات الجمعية العامة ومجلس الأمن وغيرهما. وهنا يمكن الإشارة إلى مثال محدد لذيوع وثائق الأمم المتحدة وانتشارها. فقد وضع الأمين العام الأسبق الدكتور بطرس بطرس غالي ما سمي وقتها "خطة للسلام" (Agenda for Peace)  وجاء على لسانه (الأهرام، 25 شباط/فبراير 1997) أن "خطة السلام" "ترجمت إلى 40 لغة ونوقشت في أكثر من 20 برلمانا، وأن هناك أكثر من 500 صفحة بمضبطة مجلس العموم البريطاني في مناقشة هذه الخطة". ونحن نعلم كمترجمين أن كما هائلا جدا من التصويبات والتعديلات والتحفظات يرد من الدول قبل وبعد التوقيع بالأحرف الأولى على أي اتفاقية أو معاهدة.

 

         لهذا كله كان هذا البحث وربما تليه بحوث أخرى تأكيدا لأهمية تلافي الأخطاء والارتقاء الدائم بالنوعية. ويوجـد قرين البحث ثلاثة مرفقات: "للجــــودة معالم أخرى" و"أين الخـــــــــــــطأ"

 و "قراءات". والله المستعان.

 

عبد المجيد حسن

28نيسان/أبريل 2008

المحتويـــــــــــــــات

 

مقدمــــــــــــــــــــة

أولا- مبادئ عامة

ألف- الأمـــــــــــانة

1- تحذير المترو

2- الإسقاطات والامتحانات

3- apparently أو seemingly

4- respectively

5- and/or

بـــاء- الأســـلوب

1- المبالغــة

2- البساطة والإيجاز

جيمم- الخلو من الأخطاء اللغوية

1- تأشيرة الوزير فيها خطأ لغوي

2- التــــأشيرة

ثانيــا_ مهــارات أســاسيــة

ألف- التــدقيق الشــديــد

1- الخروج عن النص

2- موسى بن ميمون

3- تجـزئة الجمـلة

4- Black Friday

5- Red States or Blue States

6- 0Black Monday

بـــاء- التعمــق اللغــــــوي

1- اللغة المترجم منها واللغة المترجم إليها

2- السياق ثم السياق ثم السياق

جيم- الحـــــــــاسوب

دال _ ثقافة الإتقــــان

المرفقـــــــــات:

المرفق الأول- للجودة معالم أخرى

المرفق الثاني- أين الخطأ؟

المرفق الثالث- قراءات

 

 

أولا- مبادئ عامـــــــــــة

         يمكن القول بوجه عام إن للترجمة الجيدة ثلاث ركائز رئيسية: (أ) الأمانة، و(ب) الأسلوب، و(ج) خلو النص من الأخطاء اللغوية.

ألف- الأمـــانة : أن تأتي الترجمة نقلا أمينا للنص الأصلي فتشمل جميع عناصره من معان ووقائع وأرقام

 

    1- تحــذير المترو: ليس جائزا أن يقال إذا كان الأسلوب جيدا رصينا واللغة العربية سلسة مقروءة كانت الترجمة جيدة. صحيح أن الترجمة قد تكون جيدة في مواضع الجودة، ولكنها تكون غير وافية ناقصة المعنى والدلالة، وهذا ما ينزع عنها المصداقية.  ولننظر معا هذا التحذير الذي قرأته على حائط عربة مترو الأنفاق وأنا أستقله أحيانا في طريقي من َكوينز إلى مانهاتن وبالعكس. يقول التحذير: Illegal possession of a loaded gun now carries a minimum of 3.5 years in prison. . فهل يا ترى تستقيم هذه الجملة وتعطي المعنى كاملا لو حذفنا منها شيئا؟ لنفترض أن كلمة “now” (الآن) سقطت من الترجمة إلى لغة أخرى، فهل يكون المعنى المراد توصيله كاملا؟ والإجابة تكون بالنفي طبعا. فهذه الكلمة البسيطة تعني أن الحكم بالسجن قد تغيرت مدته، والأرجح أنها كانت أقل في السابق ويراد من المخاطب أن يكون على علم بتغليظ العقوبة. وكلمة possession لو ترجمت بدون الصفة  illegal وكلمة “gun لو ترجمت بدون الصفة loaded ولو سقطت كلمة "minimum"   أو عدد السنين أو مكان الحبس لجاء الكلام ناقصا وجاءت الترجمة معيبة لا تعبر عن كامل الرسالة المراد توصيلها: "الحيازة غير القانونية  لسلاح ناري محشو بالذخيرة (حيازة سلاح ناري محشو بالذخيرة حيازة غير قانونية) فعل يعاقب عليه الآن بالسجن مدة لا تقل عن 3.5 سنوات ". ويمكن ترجمة هذا التحذير بطريقة أخرى فيها شيء من التصرف المحمود. "كل من يحمل سلاحا غير مرخص، به أعيرة نارية، يعاقب الآن بالسجن مدة لا تقل عن 3.5 سنوات ". كل كلمة لها وظيفة وإسقاط أي كلمة يخل بالمعنى.

 

2- الإسقاطات والامتحانات: في الامتحانات التنافسية لاختيار مترجمين للأمم المتحدة، جرت العادة على اعتبار الإسقاط خطأين: أحدهما الإسقاط نفسه، وهو اختفاء كلمة أو عبارة أو جملة من الترجمة والآخر هو الإخلال بالمعنى الذي يترتب على الإسقاط. فهل يستطيع الإنسان أن يتصور معاهدة من المعاهدات وقد عرضت على الجهة المختصة بالتصديق ناقصة إحدى المواد؟ وهل يتصور أحد أن يصدر قرار من مجلس الأمن وقد سقطت من ترجمته فقرة من الفقرات؟ وهل يتصور أحد أن تقلب الأرقام transposition)   (فتتغير السنة المرجعية للحساب من 1979 إلى 1997 مع ما يترتب على ذلك، أي عدم وجود الرقم الصحيح، من قراءة مغلوطة لمعدلات التضخم أو النمو في بلد من البلدان؟.

 

3-  apparentlyأو  seemingly: من الكلمات الهامة سيئة الحظ التي كثيرا ما تسقط من الترجمة، سواء عن عمد لعدم إدراك مغزاها أو عن غير عمد، كلمة:  "apparently"  أو"seemingly". وتكمن أهمية هذه الكلمة، في الخطاب الدبلوماسي، في كونها: أولا، أنها تبقي الحكم النهائي على الواقعة أو الحدث معلقا لوقت لاحق لدى الانتهـــــــــاء من عملية التحقق من الأمر، وثانيا، فهي تفتح خط الرجعة أمــــــــــام

المتكلم المعني. وربما يذكر بعضنا ما صرح به الأمين العام السابق، السيد كوفي عنان، إبان الحرب اللبنانية الإسرائيلية في صيف عام 2006، حيث قال: "the Israeli forces apparently targeted the U.N. peace- keeping forces along the border".. فالأمين العام لم يستخدم هذه الكلمة "apparently (فيما يبدو أو على ما يبدو) عن غير روية وإنما قصد بها أن "ينزع سلاح" من يريد "طعنه" بسبب هذا التصريح وأن يرفع عن نفسه الحرج إذا ثبت غير ما قاله. فهي كلمة لها وظيفة ولا تذكر هباء. فإذا ما خلت الترجمة إلى أي لغة من هذا التحوط في الحديث صارت ناقصة محل استهجان.

 

4- respectively: ومن ناحية أخرى، هناك كلمة سعيدة الحظ تذكر وإن لم يكن هناك داع أحيانا لذكرها إذ تفهم أحيانا من سياق الحديث دون أن تكون به، على الأقل في اللغة العربية. و هنا نطرح السؤال التالي: كم مرة صادفت القارئ هذه العبارة "على التوالي" في سياقات عربية غير مترجمة تشبه ما نراه في النصوص المترجمة؟ ولنأخذ مثالا الجملة التالية:

         All judges of the Dispute Tribunal and the Appeals Tribunal would be appointed by the Secretary-General and the General Assembly respectively from the list of candidates prepared by the Internal Justice Council”

 

         و هذه يمكن أن نراها مترجمة على النحو التالي:

          "ويعين الأمين العام والجمعية العامة جميع قضاة محكمة المنازعات ومحكمة الاستئناف، على التوالي، من قائمة المرشحين التي يعدها مجلس العدل الداخلي." فما الذي يمكن أن يفهمه القارئ من عبارة "على التوالي " هنا؟ هل هما، الأمين العام والجمعية العامة، يعينان معا قضاة المحكمتين فيبدآن بالاولى "محكمة النزاعات" ثم ينتقلان إلى تعيين قضاة "محكمة الاستئناف"؟. قد يفهم القارئ العربي ذلك و لا يصل إليه المعني الصحيح إلا إذا قرأ النص الإنكليزي.  فالأمين العام هو الذي يعين قضاة محكمة النزاعات والجمعية العامة هي التي تعين قضاة محكمة الاستئناف. وبإمكاننا هنا نحن المترجمين أن نختصر الطريق ونستغني عن كلمة “respectively” ونضع ترجمة واضحة تماما بالعربية مثل الترجمة التالية:

"يعين الأمين العام جميع قضاة محكمة النزاعات وتعين الجمعية العامة جميع قضاة محكمة الاستئناف، استنادا في كلتا الحالتين إلى قائمة المرشحين التي يعدها مجلس العدل الداخلي."

 

         ولعل القارئ يلاحظ هنا أننا، إلى جانب الاستغناء عن عبارة "على التوالي"، لم نترجم حرفيا عبارة “by the Secretary- General” بالطريقة التي ينبغي لنا الحرص على تفاديها، وهي أن نقول "بواسطة" أو "من قبل" أو "من جانب" الأمين العام. فما دام الفاعل معروفا، لابد من تحاشي هذه الصيغة التي هي مألوفة في النصوص الأجنبية، شأنها شأن كلمة "respectively"،  ولكنها غريبة على الأسلوب العربي، فلكل لغة خصائصها.

 

         ولنضرب مثالا آخر هذه الجملة:" On the 17th of January 2007, I (Secretary - General, Ban ki- Moon) wrote to President Sasso and  President Campaoré, in their respective capacities as chairpersons of the African Union and the Economic Community of West African States (ECOWAS), welcoming their efforts to help the Ivorian parties”.

 

            في ترجمة أولية لهذه الجملة جاء ما يلي:"ووجهت (أي الأمين العام بان كي- مون) رسالتين إلى الرئيسين ساسو وكمباوريه، بصفتهما رئيسي الاتحاد الأفريقي والجمــاعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا،  على التوالي، رحبت فيهما بحهودهما الرامية إلى مساعدة الأطراف الإيفوارية". وهذه ترجمة صحيحة ولكن يمكن تعديلها بأن نحذف عبارة "على التوالي" و نخصص أكثر في التعبير فنقول "ووجهت رسالتين إحداهما إلى الرئيس ساسو، رئيس الاتحاد الأفريقي، والأخرى إلى الرئيس كمباوريه، رئيس الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، رحبت فيهما بجهودهما الرامية إلى مساعدة الأطراف الإيفوارية".

 

         ولنأخذ مثالا إضافيا الجملة التالية: "All members of the humanitarian country team…are expected to ensure adequate coordination during the planning process within their respective sectors/clusters and agencies/organizations."وجاءت ترجمة هذه الجملة على النحو التالي: "ويتوقع من جميع أعضاء الفريق القطري للشؤون الإنسانية ... أن يكفلوا قدرا كافيا من التنسيق خلال عملية التخطيط ضمن قطاعاتهم/ مجموعاتهم العنقودية ووكالاتهم/منظماتهم، على التوالي". وواضح جدا أن عبارة "على التوالي" هنا لاتفيد شيئا، ذلك أن المقصود هو أن يكفل كل منهم ما يكفي من التنسيق فيما يخصه: القطاع أو المجموعة العنقودية والوكالة أو المنظمة. وفي العربية يكفي الضمير المتكرر "هم" للتعبير عن هذا المعنى.

 

         ومع ذلك فهناك حالات تجعلنا نحتفظ في الترجمة بعبارة "على التوالي" التي تقابل كلمة “respectively” في الإنكليزية. ومن أمثلة ذلك الجملة التالية: "Part one of the report (A/61/264(Part 1) was issued on 20 July 2006 and Addenda (Add.1 and 2 and 3) were issued on 15 August and 29 September and 3 october 2006, respectively".

            عندما نترجم هذه الجملة من الأفضل أن نقول: "صدر الجزء الأول من التقرير  (A/61/264(Part 1) في 20تموز/يولية 2006 وصدرت الإضافات (Add.1 و  2و (3  في 15آب/أغسطس و 29 أيلول/سبتمبر  و 3 تشرين الأول أكتوبر 2006، على التوالي". فمن الواضح هنا أن عبارة "على التوالي" يكون مفيدا ذكرها في هذا السياق لما تدل عليه من التتابع الزمني للإصدار. وهي صياغة أكثر إيجازا مما لو أتبعنا كل وثيقة بتاريخ صدورها فنقول "صدر الجزء الأول ..... في ...... وصدرت الإضافات  1 في ... و 2 في ...و 3في ...."

 

            وفي سياقات أخرى يمكن ترجمة “respectively” بطريقة أخرى كما في هذه الجملة: All actors, in their respective roles, should cooperate in conducting these activities.، ويقابلها في العربية صيغة كالتالية: "وبغية تسيير هذه الأنشطة، يجب أن تتعاون الأطراف الفاعلة كافة من منطلق الدور المنوط بكل منها." فعبارة" من منطلق الدورالمنوط بكل منها" ترجمة جيدة لعبارة “in their respective roles.

 

             وفي الفرنسية ترجمت العبارة الإنكليزية إلى : Pour mener à bien ces activités, tous les acteurs doivent collaborer, dans le cadre de leurs mandats respectifs.

 

         وفي الروسية جاءت الترجمة كالتالي:

Для осуществления изложенных мер все участники должны сотрудничать в своих соответствующих сферах деятельности.

 

وفي الإسبانية جاءت الترجمة كالتالي:

Para llevar a cabo estas acciones, todos los actores, desde sus papeles respectivos, deben colaborar.

        

         والعبارات المكتوبة بخط ثقيل معناها أن اللغات الأخرى تقيدت باستعمال كلمة “respective”، وهو ما عبر عنه المترجم العربي بأسلوب جيد، فعبارة "على التوالي" لايكون لها محل في هذه الصياغة.

 

            ولنأخذ مثالا آخر لاستعمال هذه الكلمة، الجملة التالية: “She got married on May 17, 1996 and had two sons , born respectively in 1998 and 2000, resulting from this union”.

         وجاءت الترجمة كما يلي: " تزوجت في 17 أيار/مايو 1996 وأنجبت من هذه الزيجة ولدين عامي 1998 و2000 تباعا". و"تباعا" هذه ترجمة جيدة لكلمة respectively”.  وفي نفس النص، جاءت الكلمة ذاتها ولكن في سياق آخر: She sent two letters to the Prime Minister and to Her Majesty the Queen, respectively, asking for a grant of stay on humanitarian grounds”.    وجاءت الترجمة كما يلي:"وجهت رسالتين إلى رئيس الوزراء وجلالة الملكة تباعا تطلب فيهما منحها تصريح إقامة لأسباب إنسانية". وواضح أن كلمة "تباعا" هنا لا محل لها وقد تعطي معنى غير صحيح وربما غير مقصود من المترجم وهو أن السيدة بعثت أولا برسالة إلى رئيس الوزراء وأتبعتها برسالة إلى الملكة، وهو ما لا يقوله النص الإنكليزي. والصحيح أن نقول إن السيدة "وجهت رسالة إلى رئيس الوزراء وأخرى إلى جلالة الملكة تطلب فيهما منحها تصريح إقامة لأسباب إنسانية"، أو نقول "وجهت رسالة إلى كل من رئيس الوزراء وجلالة الملكة تطلب فيهما منحها تصريح إقامة لأسباب إنسانية" ، أو نقول "وجهت رسالتين إحداهما إلى رئيس الوزراء والأخرى إلى جلالة الملكة تطلب فيهما منحها تصريح إقامة لأسباب إنسانية".

 

            والخلاصة أن كلمة   “respectively تترجم بصور مختلفة وقد نستطيع أحيانا الاستغناء عن ترجمتها ونجد مقابلا آخر لنقل معناها إلى العربية.

 

5-and/or : هذه الصيغة غير مألوفة في الكتابة خارج وثائق الأمم المتحدة. فإذا أراد المتكلم أو الكاتب العربي أن يعبر عن هذا المعنى وجدناه يستعمل صيغة أخرى في التعبير وعادة ما يقول "هذا الشيء أو ذاك أو كلاهما "this thing or that or both". وهذه الصيغة الإنكليزية الأخيرة ترد هي أيضا في وثائق الأمم المتحدة، وترجمتها في هذه الحالة تكون عادية مباشرة. ونعود الآن إلى صيغة "و/أو" (and/or)، ونحن هنا أمام خيار من اثنين، أن نترجمها كما هي رغم عدم استحسانها أو نستعمل صيغة "... أو كلاهما" التي أشرنا إليها. وبالطبع فإن صيغة "و/أو" صيغة مختصرة تؤدي الغرض وإن كانت تنقصها السلاسة. والسؤال الآن هو: ماذا تفعل اللغات الأخرى؟ اللغات الأخرى غير العربية عموما ما تستعمل الصيغة المختصرة المباشرة التي ترد في الإنكليزية، والاستثناء الوحيد هو اللغة الفرنسية التي تكتفي أحيانا بكلمة et دون ذكر ou .

 

وإليك الآن نموذجا لما سبق. فيرد النص الإنكليزي فيما نحن بصدده كالآتي:

 

The inspection further stressed the importance of the following:

        (a) Formal recognition and/or accreditation of training courses and institutions;

وجاء المقابل الإسباني كالآتي مستخدما صيغة  y/o:. La inspección destacó además la importancia de lo siguiente:

•           (a) El reconocimiento oficial y/o la acreditación de instituciones y cursos de capacitación

 

و جاء المقابل الفرنسي دون ذكر "أو"، كالآتي:

. Il a par ailleurs insisté sur les points suivants: 

(a) Il devrait exister un système de reconnaissance officielle des cours et d’accréditation des établissements de formation ;

 

أما المقابل الروسي فذكر "و/أو" كما في الترجمة التالية:

Результаты инспекций также говорят о важном значении:

•           (a) официального признания и/или аттестации учебных курсов и учреждений;

وجاء نصنا العربي كالآتي:

 

وأكدت عملية التفتيش كذلك أهمية ما يلي:

(أ) الاعتراف الرسمي بالدورات التدريبية ومؤسسات التدريب و/أو

 اعتمادها؛

 

وهذه الصيغة أدق، فإما الاعتراف الرسمي والاعتماد معا (and) وإما

 الاعتماد فقط (or)، على اعتبار أن الاعتماد يشمل الاعتراف.  وهذا

 يجعلنا نفضل اتباع الصيغة الإنكليزية التي ننقل عنها والتي نقلت عنها

 الإسبانية والروسية.

 

 

بــاء- الأسلــوب: أن يكون الأسلوب في النص المترجم للوثيقة مماثلا له في النص الأصلي وأن يأتي التعبير عمليا سلسا واضحا خاليا من الركاكة ومن المبالغة حيث لا توجد مبالغة في الأصل.

 

1-   المبــــــالغة: ينبغي ألا نبالغ في التعبير إلا إذا كانت هناك مبالغة في الأصل، كأن نقول في ترجمة عبارة عادية مثل:non - controversial "لا يتناطح عليه كبشان" أو نقول في ترجمة عبارة: all delegates came   "جاء المندوبون بقضهم وقضيضهم" أو "جاؤوا على بكرة أبيهم" وإنما نستعمل عبارات بسيطة مثل "لاخلاف عليه"، أو "ليس مثار جدل" و"جاء المندوبون جميعهم"، وهكذا. وبهذا تكون اللغة بسيطة معبرة واضحة، على قياس النص الأصلي.

 

     وينبغي الحرص دائما على أن يكون الأسلوب واضحا مباشرا غير عسير على الفهم في سياق الوثائق، كما جاء في هذه الترجمة: "ولتحقيق تلك الغاية، يصبح الانفتاح أمام الابتكار في تحديد أكثر أساليب العمل فعالية وأكثرها تركيزا على النتائج، ضربة لازب." "To that end, openness to innovation in identifying the most effective and result- oriented work methods is a must  فما الذي يسهل فهمه على القارئ العادي أو القارئ عضو الوفد: عبارة (is a must)  أم عبارة "يصبح ضربة لازب" رغم بلاغتها (صار الأمر ضربة لازب أي صار لازما ثابتا-( المنجد)؟ فكلنا نعرف الجمهور محل الخطاب في ترجماتنا أو كما قيل في وقت ما نوع المستهلك الذي يستفيد من سلعنا، أي وثائقنا. وهذا طبعا لا يمنع، بل من المستحسن، ما أمكن ذلك، أن نترجم العبارات الاصطلاحية الأجنبية بعبارات تقابلها في العربية. مثال ذلك عبارة "dot one’s i’s and cross one’s t’s"  يمكن ترجمتها بالعبارة الاصطلاحية "يضع النقاط على الحروف"، مثلا. وعبارة “the straw that broke the camel’s back”  أو  "the last straw"يمكن ترجمتها بالعبارة المشهورة "القشة التي قصمت ظهر البعير" أو "القشة الأخيرة"، وعبارة “up to the eyes in work” يمكن ترجمتها بعبارة "غارق لأذنيه في  العمل"، وعبارة “tied to someone’s apron strings”    يمكن ترجمتها بعبارة يكون "رهن الإشارة". وفي نصوصنا وردت ترجمة اصطلاحية جيدة للعبارة الإنكليزية (reach maturity):

As the new system reaches maturity, the basis for cost sharing will be revisited.

وجاءت الترجمة العربية كالآتي:"وحالما يشتد عود النظام الجديد، سيعاد النظر في أسس تقاسم التكاليف."

  وجاءت الترجمة الإسبانية كالآتي:

A medida que madure el nuevo sistema habrá que reexaminar las bases de la participación en los gastos.

2- البســــاطة والإيجاز: ينبغي في أكثرية النصوص، على كل حال، أن يكون أسلوبنا بسيطا عمليا واضحا، يتوخى الإيجاز أسوة بالأصل وينحو إلى الغموض إن كان الغموض مقصودا ويلتزم الحذر في التعبير في المسائل السياسية الحساسة. وعلينا بالطبع أن نستعمل لغتنا الاصطلاحية كلما واجهنا في النص مصطلحات فنية متخصصة. فإذا تعذر علينا أن نصل بعد الجهد والتشاور إلى مقابل لمصطلح جديد آثرنا ألا نغامر بالتصرف وإنما التزمنا الحرفية في انتظار مزيد من البحث لاستجلاء كنه المصطلح.

    وهذا ما جرى عليه العرف في الترجمة إلى اللغة الإنكليزية ونص عليه في كتاب الدائرة الإنكليزية Instructions for Translators حيث جاء ما يلي في الصفحة 3 :" Where it is not: possible to determine the equivalent of a technical term, a literal translation is likely to be less misleading to the knowledgeable reader than a doubtful English rendering”.

 

    ولا بد أيضا أن تخلو عباراتنا من الركاكة والضعف. ولننظر معا إلى هذه الجملة الإنكليزية: If the General Assembly decided that only member states that are current with their financial obligations to the United Nations should receive a credit in respect of budgetary surpluses, or unencumbered balances, there are a number of practical questions that would also have to be decided”

    فقد ترجمت إلى العربية كالآتي: "وإذا ما قررت الجمعية العامة أن الدول الأعضاء التي تفي بالتزاماتها المالية تجاه الأمم المتحدة فحسب هي التي ينبغي أن تحصل على أرصدة دائنة فيما يتعلق بفوائض الميزانية أو الأرصدة غير المربوطة، فإن هناك عددا من الأسئلة العملية التي سوف يكون من الواجب الحسم فيها".

          وتظهر نقاط الضعف في هذه الترجمة في عدة مواضع: (أ) كلمة "فحسب" المقابلة لكلمة “only”، هل هي متصلة بعبارة "تجاه الأمم المتحدة" التي تسبقها مباشرة أم بعبارة "الدول الأعضاء..."؟. الصحيح أنها ترتبط بـ "الدول الأعضاء التي تفي بالتزاماتها المالية".ولكن الترجمة لاتوحي بذلك و لا تقول ذلك، ومن ثم فالأفضل ترجمتها هنا بعبارة "هي وحدها" أي "الدول...هي وحدها  و(ب) أتت عبارة "أرصدة دائنة" مقابل كلمة ""credit ، وهي ترجمة صحيحة  للكلمة إلا أن قولنا "تحصل على أرصدة دائنة" تعبير لا نألفه، والأحسن أن نقول "تقيد لحسابها  مبالغ من فوائض الميزانية أو الأرصدة غير المربوطة". "فالدولة التي تفـــــي بما عليها من التزامات تقيد لحسابها مبالغ من  ..." . و (ج) العبــــارة الأخيرة، "فإن هناك عددا من الأسئلة العملية التي سوف يكون من الواجب الحسم فيها" عبارة عليها ملاحظات. أولا: اسم الموصول هنا لا لزوم له ويكفينا أن نقول " إن هناك عددا من الأسئلة العملية سوف يكون من الواجب...الحسم فيها". ثم لماذا لا نقول "حسمها" مباشرة والفعل "حسم" يتعدى بنفسه،  كأن تقول: "حسم الداء " أي "قطعه بالدواء" و"حسم العرق، قطعه مستأصلا إياه فانقطع" (المنجد). وثانيا: أين مقابل كلمة “also”  التي تعني أن هذه المسائل ليست الوحيدة وإنما توجد إلى جانبها مسائل أخرى. وفي النهاية يكون من الأفضل والأوضح ترجمة الجملة كالآتي مثلا: "إذا ما قررت الجمعية العامة أن الدول الأعضاء التي تفي بالتزاماتها المالية تجاه الأمم المتحدة هي وحدها التي ينبغي أن يقيد لحسابها نصيب من فوائض الميزانية، أو الأرصدة الحرة (بدلا من قولنا: غير المربوطة)، كان لزاما البت أيضا في عدد من المسائل العملية."

 

         ولننظر معا إلى الفقرة التالية المأخوذة من أحد القرارات وسنلاحظ على التو أنه لا يوجد خطأ في المعنى وإنما الصياغة كانت بحاجة إلى تحسين فلغتنا غنية بالمفردات، ومن المهم أن نستدعيها في وقتها.

 وإليك الجملة بالإنكليزية:        "Considers it important to continue and expand its efforts to ensure widest possible dissemination of information on decolonization, with particular emphasis on the options of self-determination available for the peoples of the Non‑Self‑Governing Territories, and to this end, requests the Department of Public Information, including through the United Nations information centres in the relevant regions, to disseminate material to the Non-Self-Governing Territories;"

 

وجاء مقابلها العربي كالآتي:

         "ترى من المهم أن تواصل وأن توسع نطاق جهودها لكفالة نشر المعلومات المتعلقة بإنهاء الاستعمار على أوسع نطاق ممكن، مع التركيز بوجه خاص على خيارات تقرير المصير المتاحة لشعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وتحقيقا لهذه الغاية، تطلب إلى إدارة شؤون الإعلام نشر المواد على الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، بوسائل منها مراكز الأمم المتحدة للإعلام في المناطق ذات الصلة".

    ويلاحظ على النص العربي أنه يوحي بقصور مفردات اللغة العربية فيرد في السطر الأول "توسع نطاق جهودها" وفي السطر التالي من نفس الجملة تقابلنا عبارة "على أوسع نطاق ممكن". والحقيقة هي أن هناك كلمات كثيرة مقابل كلمة “expand”، فنستطيع أن نقول  "تبسط جهودها" ( بسط الله الرزق لعباده : كثره ووسعه_ الوسيط) أو "تكثر جهودها" ( من أكثر الشيء: جعله كثيرا _ المنجد) أو "تزيد جهودها" أو "تنمي جهودها" أو "تضاعف جهودها" ما دمنا سنستعمل عبارة "على أوسع نطاق ممكن" في نفس الجملة. ووردت في السطر قبل الأخير عبارة "بوسائل منها" ترجمة لعبارة “including through”، وهي ترجمة جيدة لأن البعض يترجمها أحيانا بعبـارة "بما في ذلك عن طريق" وفي سياق آخر "بما في ذلك في مجال"، وهي عبارات غير مستساغة ينبغي تجنبها.

 

     وما دمنا في سياق هذه الفقرة ومتعلقاتها، قد يلقي بعض الضوء على موضوعنا إيراد صيغة الفقرة بلغات أخرى. وإليك هذه الترجمات:

 (أ) الفرنسية:

"Juge important de poursuivre et d’accroître ses efforts pour diffuser le plus largement possible des informations sur la décolonisation, en mettant l’accent sur les différentes options qui s’offrent aux peuples des territoires non autonomes en matière d’autodétermination, et, à cette fin, prie le Département de l’information de diffuser, notamment par le biais des centres d’information des Nations Unies dans les régions concernées, des documents dans les territoires non autonomes." 

 

    ويلاحظ في هذه الترجمة استعمال عبارتين مختلفتين هما ""d’accroître و" le plus largement possible" للتعبير عن مفهومي "زيادة الجهود" و"النشرعلى أوسع نطاق ممكن". ويلاحظ أيضا، وهذه نقطة أخرى، أن النص الفرنسي يستعمل كلمة "notamment"  مقابل كلمة “including” ونستطيع نحن أيضا أن نستعمل أحيانا كلمة "بخاصة" كبديل لـ "بما في ذلك" أو "بمن فيهم" (للعاقل) أو "ومن ضمنهم" (للعاقل أيضا) إذا اقتضى ذلك حسن الصياغة. وعدا ذلك، فالأحسن أن نستعمل صيغتنا المعتادة وهي بالصدفة الصيغة نفسها التي يستعملها الإسبان، كما سنرى.

 

(ب) الإسبانية

    الآن ننتقل، لغرض المقارنة، إلى النص الإسباني: "Considera importante proseguir y ampliar sus actividades encaminadas a lograr la mayor difusión posible de la información sobre la descolonización, con especial hincapié en las opciones de libre determinación de que disponen los pueblos de los territorios no autónomos; y a tales efectos pide al Departamento de Información Pública que se ocupe de difundir material en los territorios no autónomos, incluso por conducto de los centros de información de las Naciones Unidas en las regiones pertinentes."

 

             وهنا نجد النص الإسباني يستعمل عبارات ليس فيها تكرار كما هو واضح من الكلمات المكتوبة بخط ثقيل في مستهل الفقرة. ويستعمل عبــــــارة "incluso por”، وهي المقابل الحرفي لكلمة .“including” وجدير بالذكر أن النص الروسي يستعمل أحيانا كلمة بمعنى "بخاصة" в частности على نحو ما يفعل الفرنسيون.

 

 

جيم- الخـلو من الأخطاء اللغوية

    1- تأشيرة الوزير فيها خطأ لغوي: مما يعيب الترجمة أو الكتابة كثيرا أن تكون بها أخطاء نحوية. ولعل من الممتع والمفيد ونحن نتكلم عن أهمية الحرص على عدم الوقوع في أي خطأ في اللغة العربية أن نحكي قصة طريفة حكاها الكاتب رجاء النقاش، رحمه الله، في عدد صحيفة الأهرام القاهرية الصادر في 29 آب/أغسطس 2004  تحت عنوان: "تأشيرة الوزير فيها خطأ لغوي". يقول الأستاذ النقاش قبل أن يحكي القصة التي وصلته من أحد القراء: "إنها قصة يجدر بكل من يمارس الكتابة (وبالطبع الترجمة) أن يتأملها حتى لا يتعرض ما يكتبه لـ "التلوث اللغوي" الذي يفسد متعة المطالعة والمعرفة. وقد وردت هذه القصة في كتاب الأديب والشاعر المرحوم العوضي الوكيل الصادر عام 1972" . وقد اهتممت شخصيا، كاتب هذا البحث، بهذه القصة لجملة أسباب منها أن الشاعر الأستاذ العوضي الوكيل كان رئيسا لي على مدى سنوات في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة قبل أن ألتحق بالعمل مترجما بالأمم المتحدة عام 1974. ومن الأشياء الطريفة أن المرحوم العوضي الوكيل، رغم أنه كان شاعرا أديبا يواظب على حضور ندوة الأستاذ عباس محمود العقاد في بيته بمصر الجديدة، كان خبيرا بإعداد الميزانيات وبالبحوث الإدارية.

 

         2- التأشــيرة : نعود الآن إلى القصة التي وردت في كتـاب العوضي الوكيل، كما رواها النقاش. يقول الوكيل: "منذ ربـع قرن من الزمان (وهذا معناه أن القصة تعود إلى  1925-1926 أو نحو ذلك) كنت أعمل في وزارة الأوقاف مديرا لمكتب وزيرها الأديب العالم إبراهيم دسوقي أباظة. وجاء شهر رمضان المبارك فرصدت الوزارة من اعتماد الخيرات مبلغا يوزع على المحتاجين والفقراء. وقطعت طريق الوزير ذات يوم سيدة من ذوات الحاجة وقدمت طلبها إلى الوزير يدا بيد، فأشر عليها الوزير بعبارة "تمنح جنيهان من الخيرات". ثم جاءت الطلبات كلها إلى مكتبي لتأخذ سبيلها إلى التنفيذ فقمت بتوجيه جميع الطلبات إلى وجهاتها عدا طلب هذه السيدة لما لاحظته من الخطأ النحوي في تأشيرة الوزير، فأخذت أتحين الفرصة لإعادة عرض الطلب عليه لإصلاح ما وقع من خطأ في تأشيرته، فما كان لي أن أدع ورقة كهذه تمر وعليها مثل هذا الخطأ من رئيس "جامعة أدباء العروبة" التي كانت تضم صفوة الأدباء والشعراء ومنهم إبراهيم ناجي ومحمود غنيم وطاهر أبو فاشا وأحمد مخيمر وغيرهم ممن هم في مستواهم.

        

         "وللوزير خصوم سياسيون سيجعلون من مادة هذا الخطأ موضوعا من موضوعات حملاتهم عليه في داخل البرلمان وفي خارجه ويصورونه في صورة من يتعرض لما لا يحسنه وسيضعونه إلى جانب ذلك الوزير الذي أراد أن يحيل إحدى الأوراق إلى القلم القضائي فكتب عليها "تحال إلى القلم القضاقي" لأنه ظن أن الهمزة مبدلة من "قاف" على نحو ما يفعل أهل الحضر في مصر من قلب القاف همزة "أهوة" بدلا من "قهوة". كذلك ظن هذا الوزير، فظن أن كلمة "قضاء" هي في الأصل "قضاق" فوقع في خطأ شنيع ظل خصومه السياسيون يتابعونه به زمنا طويلا ويتهمونه بالأمية، وما يتبع ذلك من عدم استحقاقه لمنصبه الرفيع. فخشيت أن تمر ورقة "الجنيهين" وفيها هذا الخطأ لأني ارتأيت أن الفعل الذي يتعدى لمفعولين وهو "يمنح" إذا بني للمجهول بضم الياء كان المفعول به الأول نائبا للفاعل وظل المفعول به الثاني على حاله منصوبا. لذلك كان يتعين أن تكون تأشيرة الوزير على هذه الصورة "تمنح جنيهين من الخيرات" وليست "تمنح جنيهان من الخيرات". واختلف معي الوزير ولكي يتم وضع حد لهذا الاختلاف رأى الوزير أن نحتكم إلى رئيس تحرير مجلة الرسالة المرحوم الأستاذ أحمد حسن الزيات لأن الوزير كان معجبا بنثر الزيات وإنشائه. واتصل الوزير بالزبات وشرح له الأمر فإذا به يتطوع بالحضور إلى الوزارة على عجل ليبدي رأيه في هذه القضية النحوية وذلك بدلا من أن يذهب الوزير إليه كما اقترح الوزير في البداية. وجاء الزيات وعلم الأدباء الموظفون بالوزارة أمثال كامل كيلاني ومحمود عماد وعلي شوقي وإبراهيم ناجي وحسن السنديوني. وانعقد مجلس التحكيم. وأخذت أترافع كما يترافع المحامون أمام القضاء وكنت أدعم رأيي بالشواهد من دواوين الشعر وكتب الأدب والنحو، وأخذ الوزير يؤيد رأيه بمقولات ومنقولات، وانضم جميع الحاضرين إلى رأيي. وأعلن الوزير عن اقتناعه برجحان الرأي الذي ذهبت إليه وأن سلطان العلم لا يعلو عليه سلطان. وانفضت المحكمة والمحاكمة".

 

         فهل هناك أبدع وأجمل من هذه القصة "تأشيرة الوزير فيها خطأ نحوي" لتدلنا جميعا، نحن مترجمي الدائرة العربية، على أهمية الحرص الشديد على تجنب الأخطاء اللغوية وعندنا من المراجع ما يساعدنا على إزالة الشك عند الشك والوصول إلى اليقين تمسكا باليقين.

 

 

ثانيا- مهــارات أساسية

         يقتضي ذلك كله أن تتوافر في المترجم مهارات أساسية، منها ما يلي:

 

ألف- التدقبق الشديد: الحرص على تحقيق الهدف من الترجمة، وهو نقل المعنى كاملا إلى القارئ الذي قد لا يكون على علم باللغة المنقول منها، وإذا كان على علم بها فالترجمة تغنيه عن الأصل.

 

    1- الخروج عن النص : إذا كان جائزا في غير سياقات الأمم المتحدة أن يخرج المترجم عن النص أو يعطي نفسه الحرية في التقديم والتأخير ويعيد ترتيب المادة فإن هذا لا يجوز مطلقا في وثائق الأمم المتحدة وفي الترجمات الرسمية بوجه عام، عدا ما يقتضيه حسن الصياغة من تقديم أو تأخير في الجملة الواحدة. ولغرض المقابلة وتأكيد ما نرمي إليه بمفهوم المخالفة، نذكر هنا ما جاء في مقال لأحد الكتاب القريبين من نجيب محفوظ، محمد سلماوي، من أن أديبنا الراحل نجيب محفوظ قال له، وهو يتكلم عن اطلاعاته على الآداب الغربية عن طريق الترجمة، إنه كان يقرأ ترجمات للكاتب الفرنسي جي دى موباسان ويجد فيها اقتباسات من أحاديث الرسول (ص) وظن وقتها وهو صغير السن أن جي دي موباسان هو الذي يضمن كتاباته هذه الأحاديث، وكان نجيب محفوظ يفرح لذلك. وجدير بالذكر أن محمد سلماوي دأب على تسجيل أحاديث مع نجيب محفوظ بعد أن ضعف نظر محفوظ، وبخاصة بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال الشهيرة. وهذه القصة عن ترجمات موباسان، إن دلت على شيء فإنما تدل على نوع من الترجمة يعيد فيه المترجم صياغة النص فينشئ عملا إبداعيا جديدا قد لا تتعرف فيه على الأصل في بعض المواضع. وهذا ما لا يجوز في ترجمة وثائق الأمم المتحدة. وبهذا لا نقصد طبعا أن تكون الترجمة حرفية معيبة يشوب أسلوبها الضعف والركاكة. وقديما انتقد أحد المندوبين العرب في دورة لجنة المؤتمرات الترجمة العربية لوثائق الأمم المتحدة، وكان مما قاله أن "الوفود... تضطر إلى الاطلاع على النص بلغته الأصلية قبل التعامل مع النص العربي" لأن هناك حسب قوله "التصاقا شديدا بالنصوص الأجنبية يخل بالمعنى ويجعل النصوص ثقيلة ومعقدة وغير مفهومة." وفي تلك الأيام وعلى هامش إحدى مسودات النصوص التي توزعها الأمانة على الوفود لتكوين رأي أولي قبل الدخول إلى مرحلة الاعتماد النهائي للنص، قرأت الملاحظة التالية التي كتبها أحد المندوبين على هامش المسودة: (بصرف النظر عن الترجمة، ما معنى "تقييم إعادة التفكير؟")، وكان هذا تعليقا على ترجمة عبارة "rethinking evaluation” ، وهذا تعليق لا يحتاج  إلى تعليق. ولو سرنا على نمط هذه الترجمة فكيف لنا أن نترجم العنوان التالي الذي ورد مؤخرا في إحدى صحف نيويورك: "Voters may be rethinking Obama"?  (صحيفة Newsday ، عدد 5 آذار/ مارس 2008) . 

 

2- موسى بن ميمون

    لنقرأ معا في هذا السياق أيضا ما نصح به أحد الأقدمين كل من يأخذ على عاتقه ترجمة عمل من الأعمال. يقول موسى بن ميمون ما يلي:

 

“Any translator who intends to render a work from one language to another merely by rendering word for word, and slavishly following the order of the chapters and sentences in the original, will come to grief. The product of his labor will be unintelligible and ludicrous. That method is utterly incorrect. The first step is to read the original until the translator is fully at home in it and has complete understanding of what the author has written. Then he should render the contents clearly and idiomatically. However, this can be done only if he grasps syntax by the neck and vigorously shakes it, changing the order of paragraphs and words, substituting many words for one when necessary and vice versa, and altering punctuation until the translation reads clearly, gracefully and meaningfully”.  (Mamonides to Shumel Ibn Tibbon in 1199. Translation from  Leo W. Schwartz, Memoirs of my People (1943) at x.

 

(Mamonides is Moses Ben Maimon  1135- 1204).

 

          وكاتب هذه العبارات Moses Ben Maimon or Mamonides هو بالعربية موسى بن ميمون. وقد ولد في قرطبة عام 1135 وهرب إلى المغرب ثم فلسطين واستقر به المقام في مصر حيث عمل طبيبا لسلطان مصر وقتذاك. وهو مفكر يهودي وإن كان هناك من يعده مفكرا عربيا في المقام الأول. ولــه كتـــاب بالعربية عنوانه:"دلالة الحائرين" وترجمته الإنكليزية: "The Guide to the perplexed".

 

          هذا الكاتب إذن ينصح المترجم بعدم ترجمة النص كلمة كلمة وبعدم اتباع ترتيب الفصول والجمل بطريقة عمياء وإنما عليه أن يقرأ المادة حتى يستوعبها تماما ثم يترجمها بوضوح ويجري فيها على المصطلح المألوف . ثم يواصل نصيحته قائلا إن على المترجم أن يتمكن تماما من بناء الجمل فيعيد ترتيبها وترتيب الفقرات والفصول وباستطاعته أن يترجم كلمات كثيرة بكلمة واحدة أو بكلمات قليلة عند الضرورة والعكس بالعكس، ثم يغير الفواصل إلى أن يبلغ غايته فتخرج الترجمة واضحة أنيقة معبرة.

 

         وبإمكاننا، نحن مترجمي الأمم المتحدة، أن نتفق مع الكاتب عندما يقول بضرورة قراءة المادة قراءة متعمقة حتى نستوعبها. ونتفق معه أيضا في الابتعاد عن الترجمة الحرفية المعيبة، كلمة كلمة، وفي أن من الممكن أحيانا أن نترجم أكثر من كلمة بكلمة واحدة و نضطر أحيانا أخرى إلى ترجمة كلمة واحدة من الأصل بعدة كلمـــــــات في العربية. ولكننا نخالفه تماما عندما يقول بإعادة ترتيب الفقرات والجمل والفصول، فهذا إن جاز في بعض السياقات الثقافية الإعلامية فإنه لا يجوز مطلقا في ترجمة نصوص الأمم المتحدة.

 

         ولقد دأبت الدائرة العربية هي والدوائر الأخرى على خلاف ما قاله هذا الكاتب.  ففي مذكرة  التعليمات رقم (1) التي صدرت عن رئيس قسم الترجمـــة العربية بالأمــم المتحدة في نيويورك في 7 أيلول/سبتمبر 1955، دعا الرئيس إلى التقيد بدرجة عالية من التنسيق في ترجمة النصوص. وفي حيثيات التعليمات جاء ما يلي: "نظرا لتعدد الأساليب والمصطلحات المتعلقة بالترجمة في الأقطار العربية، وحرصا على تحقيق أقصى درجة من التنسيق بين النصوص المترجمة الصادرة عن القسم، ورغبة في إقامة أعمالنا على أسس موحدة ثابتة فإني أرجو من الزملاء أن يسيروا وفقا للمبادئ التالية". وجاءت التعليمات  في عشرة بنود. وتحت البند "سادسا" من التعليمات وعنوانه "الفقرات"، وهذا بيت القصيد، جاء ما يلي:

 

          " يتبع النظام الأصلي في نظام الفقرات، فلا تدمج فقرة في أخرى ولا تنزع جملة من فقرة لتكون منها فقرة جديدة أو لتدخل في الفقرة التالية".

 

          وهذا غير ما دعا إليه كاتب مثل موسى بن ميمون والأغلب أنه كان يفكر في نصوص ثقافية عامة، ربما يناسبها التغيير والتبديل. وأذكر هنا على سبيل المثال أن التعريف بمجلة "ترجمان" ، التي تصدرها مدرسة الملك فهد العليا للترجمة  بمدينة طنجة، اختلف في اللغات الأجنبية عن الأصل العربي عام 1993. فكل لغة أخذت الفكرة الرئيسية من الأصل وقدمت وأخرت وتوسعت أحيانا في التعريف بما يناسب قراء كل لغة، و”كنت‘‘ طرفا في حوار دار حول هذا الموضوع عندما كنت في طنجة في الفترة 1992-1993.

 

 

 

3- تجزئة الجملة

         يطرح هنا سؤال عما إذا كان من الممكن أم لا أن نجزئ الجملة، وبخاصة إذا كانت جملة طويلة، فنجعلها جملتين متتابعتين أو أكثر متوخين حسن الصياغة والسلاسة دونما تغيير في المعنى؟ والإجابة : هذا شيء  ممكن، إذا استعصت الصياغة بغير ذلك. ولنأخذ الجملة التالية مثالا. إليك أولا النص الإنكليزي الأصل:

 

 Since the accession to the Conventions on the ‘Rights of the Child’ (CRC) and the ‘Elimination of All Forms of Discrimination Against Women’ (CEDAW), in Pakistan, affirmative actions through a series of legal reforms like Amendment in Citizenship Act of 1951, 2000, Human Trafficking Ordinance, 2002, Criminal Law Amendment Act, 2004 (against ‘honor killing’), Law Reforms Ordinance, 2006, Protection of Women (Criminal Laws Amendment) Act, 2006, together with the establishment of Judicial Courts/ Complex (a pilot project), establishment of a series of Women Centers--- equipped with required help-lines and supported by Police Reforms like the establishment of Gender Crime Cell at the National Police Bureau--- to control and coordinate all crimes related to gender have contributed substantially not only in the actual reduction of cases of Violence Against Women and other Gender Crimes but in increased accessibility of citizens to equality of treatment under law.

 

            ونلاحظ في هذه الجملة الطويلة ورود الفاعل في البداية مسبوقا بعبارة تبدأ بكلمة “since” الدالة على الزمن هنا وفي السطر الثالث يرد الفاعل “affirmative actions” ثم يرد الفعل الذي ننتظره لصياغة الجملة العربية بل ولكي نفهم المقصود  "have contributed"  في السطر العاشر من نص الجملة المطبوع أعلاه وهو نفسه السطر السابع بعد الفاعل. ويبقى بعد ذلك سطران في هذه الجملة الفقرة التي تبدأ كما قلنا بإشارة زمنية يليها الفاعل تليه الأسباب التي توسل بها الفاعل ثم يأتي الفعل ثم ما ترتب على الفعل من نتائج.

 

         وقد اقترح عدد من الصياغات لهذه الجملة. الأولى تقول: "ومنذ انضمام باكستان إلى اتفاقيتي حقوق الطفل والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أسهمت إجراءات إيجابية، عن طريق سلسلة من الإصلاحات القانونية، مثل تعديل قانون المواطنة لعام 1951، ومرسوم مكافحة الاتجار بالأشخاص لعام 2000، وقانون تعديل أحكام القانون الجنائي لعام 2004 (ضد القتل دفاعا عن الشرف)، ومرسوم الإصلاحات القانونية لعام 2006، وقانون حماية المرأة (تعديل القوانين الجنائية) لعام 2006، بالإضافة إلى إنشاء المحاكم والمجمعات القضائية (وهو مشروع تجريبي)، وإنشاء سلسلة من المراكز النسائية المجهزة بخطوط الهاتف المطلوبة للمساعدة، تدعمها إصلاحات الشرطة من قبيل إنشاء خلية لمكافحة الجرائم الجنسانية ضمن المكتب الوطني للشرطة بغرض مراقبة جميع الجرائم المتعلقة بنوع الجنس والتنسيق بشأنها، إسهاما كبيرا في التقليل الفعلي من حالات العنف ضد المرأة وغيرها من الجرائم الجنسانية، ليس ذلك فحسب بل وفي زيادة تيسير معاملة المواطنين معاملة متساوية أمام القانون."

 

         ويلاحظ الفاصل، عدة سطور، بين الفعل "أسهمت" وعبارة "إسهاما كبيرا" (مفعول مطلق دال على النوعية)، وهو فاصل طويل في المعنى، على عكس النص الإنكليزي الذي يورد الظرف (adverb) "substantially" مباشرة بعد الفعل ”have contributed”  وهو أقرب إلى إحكام الصياغة بعكس ما نلحظه في النص العربي. وجاء النص الفرنسي على شاكلة النص الإنكليزي: "ont fortement contribué" والنص الإسباني: "han contribuido sustancialmente" والنص الروسي: "что в значительной степени способствовало"

 

            وليس من المستحب أن نفصل طويلا بين متلاصقين: الفعل والمفعول المطلق. فالمفعول المطلق "إسهاما كبيرا" هو مصدر ذكر بعد فعل "أسهمت"، من لفظه، لتأكيده وبيان نوعه. وهذا أقرب إلى إحكام التعبير وحبك الصياغة.

 

          ومما يلفت النظر في هذه الترجمات التعبير المشهور :"affirmative action" وجاء مقابله في النص الفرنسي تعبير "discrimination positive” وفي النص الإسباني "acción afirmativa" وفي النص الروسي "юридических реформ в интересах женщин"  ، وهذا موضوع يستحق أن نقف عنده  قليلا كما سنرى.

 

            والصياغة الثانية التي اقترحت وهي أفضل من السابقة هي أن نقول: "ومنذ انضمام  باكستان إلى ....... اتخذت إجراءات إيجابية عن طريق سلسلة من الإصلاحات القانونية، مثل تعديل قانون المواطنة لعام 1951، ومرسوم مكافحة الاتجار بالأشخاص لعام 2000، وقانون تعديل أحكام القانون الجنائي لعام 2004 (ضد القتل دفاعا عن الشرف)، ومرسوم الإصلاحات القانونية لعام 2006، وقانون حماية المرأة (تعديل القوانين الجنائية) لعام 2006، بالإضافة إلى إنشاء المحاكم والمجمعات القضائية (وهو مشروع تجريبي)، وإنشاء سلسلة من المراكز النسائية المجهزة بخطوط الهاتف المطلوبة للمساعدة، تدعمها إصلاحات الشرطة من قبيل إنشاء خلية لمكافحة الجرائم الجنسانية ضمن المكتب الوطني للشرطة بغرض مراقبة جميع الجرائم المتعلقة بنوع الجنس والتنسيق بشأنها، وأسهمت هذه الإجراءات إسهاما كبيرا ليس فقط.......". وتبقى الجملة بهذه الصياغة جملة متصلة واحدة. ولكن بإمكاننا أيضا، وهذا بديل آخر، أن نقسمها إلى قسمين. الأول ينتهي بوضع نقطة بعد عبارة "بشأنها" ويبدأ القسم الثاني بعبارة "وأسهمت هذه الإجراءات ..." وحتى النهاية. والمعنى أن باستطاعتنا أن نجزئ الجملة دون إخلال بالمعنى وبإمكاننا أن نبقي على وحدة الجملة بشرط عدم إضعافها وخلخلتها.

 

         وإليك الترجمة العربية للجملة دون تجزئة:

         "ومنذ انضمام باكستان إلى اتفاقيتي حقوق الطفل والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اتخذت تدابير إيجابية، عن طريق سلسلة من الإصلاحات القانونية مثل تعديل قانون المواطنة لعام 1951، ومرسوم مكافحة الاتجار بالأشخاص لعام 2000، وقانون تعديل أحكام القانون الجنائي لعام 2004 (ضد القتل دفاعا عن الشرف)، ومرسوم الإصلاحات القانونية لعام 2006، وقانون حماية المرأة (تعديل القوانين الجنائية) لعام 2006، بالإضافة إلى إنشاء المحاكم والمجمعات القضائية (وهو مشروع تجريبي)، وإنشاء سلسلة من المراكز النسائية المجهزة بخطوط الهاتف المطلوبة للمساعدة تدعمها إصلاحات الشرطة من قبيل إنشاء خلية لمكافحة الجرائم الجنسانية ضمن المكتب الوطني للشرطة بغرض مراقبة جميع الجرائم المتعلقة بنوع الجنس والتنسيق بشأنها، وأسهمت هذه التدابير إسهاما كبيرا في التقليل الفعلي من حالات العنف ضد المرأة وغيرها من الجرائم الجنسانية، ليس ذلك فحسب بل وفي زيادة تيسير معاملة المواطنين معاملة متساوية أمام القانون.

 

         وإليك الترجمة باللغات الفرنسية والإسبانية والروسية تليها مقارنة بين الترجمات من بعض الجوانب.

 

          أولا- الفرنسية:

Depuis l’adoption par le Pakistan de la Convention relative aux droits de l’enfant et de la Convention sur l’élimination de toutes les formes de discrimination à l’égard des femmes, les mesures de « discrimination positive » mises en place dans le cadre de réformes législatives, telles que la révision, en 2000, de la loi de 1951 relative à la citoyenneté (en 2000), l’adoption en 2002 de l’ordonnance relative à la traite des êtres humains, l’amendement de 2004 à la loi pénale (qui rend les « crimes d’honneur » illégaux), l’adoption en 2006 de l’ordonnance relative aux réformes législatives et la révision, en 2006, de la loi relative à la protection des femmes (amendement de la législation pénale), à quoi s’ajoute l’ouverture d’un ensemble de cours judiciaires (projet pilote) et d’une série de centres d’accueil pour les femmes équipés des lignes d’assistance nécessaires et appuyés par des réformes de la police telles que la création d’une cellule des crimes sexuels au service de la police nationale afin de contrôler et coordonner toutes les infractions fondées sur le sexe, ont fortement contribué à réduire le nombre de cas de violence à l’égard des femmes et autres crimes sexuels, tout en accroissant l’accessibilité des citoyens à l’égalité de traitement devant la loi.

         ثانيا- الإسبانية:

Desde su adhesión a la Convención sobre los Derechos del Niño y la Convención sobre la eliminación de todas las formas de discriminación contra la mujer, el Pakistán ha adoptado medidas de acción afirmativa, mediante una serie de reformas legislativas, como la enmienda de la Ley de ciudadanía de 1951, de 2000, la Ordenanza contra la trata de seres humanos, de 2002, la Ley de enmienda del Código Penal, de 2004 (relativa a la lucha contra los homicidios por honor), la Ordenanza de reforma legislativa, de 2006, y la Ley de protección de la mujer (enmienda del Código Penal), de 2006, además del establecimiento de tribunales y juzgados (proyecto experimental) y una serie de centros de mujeres dotados de los teléfonos de asistencia necesarios y respaldados por reformas de la policía, entre ellas la creación de una Dependencia de Delitos de Género en la Oficina de la Policía Nacional, para controlar y coordinar todos los delitos de género, que han contribuido sustancialmente no sólo a reducir los casos de violencia contra la mujer y otros delitos de género, sino también a aumentar el acceso de los ciudadanos a la igualdad ante la ley.

         ثالثا- الروسية:

форм дискриминации в отношении женщин Пакистан осуществил ряд юридических реформ в интересах женщин, приняв, например, в 2000 году поправку к Закону о гражданстве 1951 года; Указ о борьбе с торговлей людьми 2002 года; Закон о внесении поправки в уголовное законодательство 2004 года (о борьбе с «убийствами во имя чести»); Указ о законодательных реформах 2006 года; Закон о защите женщин (поправка к уголовному законодательству) 2006 года; а также создал судебные суды/систему (экспериментальный проект) и ряд центров по делам женщин — обеспеченные необходимой прямой телефонной связью для оказания помощи и поддерживаемые Группой по борьбе с гендерными преступлениями, которая была сформирована в составе Национального полицейского управления в рамках реформы правоохранительных органов, в целях осуществления и координации борьбы со всеми гендерными преступлениями, что в значительной степени способствовало не только фактическому сокращению числа актов насилия в отношении женщин и других гендерных преступлений, но и расширению доступа к средствами правовой защиты для всех граждан.

 

         ويمكننا هنا أن نلاحظ الفروق بين اللغات في ترجمة تعبير شائع في الولايات المتحدة دون غيرها من البلدان، وهو تعبير”affirmative action”. ويعني هذا التعبير اتخاذ تدابير إيجابية لصالح السود في أمريكا إنصافا لهم من آثار التمييز العنصري التي لحقت بهم. وفي السنوات الأخيرة صار التعبير يشمل المرأة أيضا بالإضافة إلى السود. وقد اصطلح عموما على ترجمة هذا المعنى بعبارة "العمل الإيجابي"، وهي ترجمة مختصرة وإن كانت لا تخلو من الغموض شأنها شأن التعبير الإنكليزي؛ ولزيادة الوضوح يمكن أن نترجم العبارة الإنكليزية بـ "تدابير إيجابية" أو بمقابل قريب من هذا. وقد ترجمها الفرنسيون في هذا النص بعبارة" discrimination positive"  (التمييز الإيجابي) وترجمتها الدائرة الإسبانية  "acción afirmativa" (العمل الإيجابي) وترجمها الروس"юридических реформ в интересах женщин (الإصلاحات القانونية لإنصاف المرأة) وهي ترجمة ناقصة وإن كانت مناسبة لهذا السياق لأن الحديث يدور حول المرأة وحدها.

         وقبل أن ننتقل من هذه النقطة، تجزئة الجملة، نطرح السؤال التالي: هل هناك حالات يتعين فيها عدم تجزئة الجملة؟ والإجابة، نعم. توجد حالات من هذا النوع، وبخاصة في نصوص الاتفاقيات والقرارات. وإليك المثال التالي وهو عبارة عن مادة من مشروع قانون عن الإرهاب يعتزم إصداره في جمهورية مصر العربية:

”مــــــــادة (1)

”يقصد بالعمل الإرهابي كل استخدام للقوة أو العنف أو التلويح باستخدامه، وكل تهديد أو ترويع أو تخويف، يلجأ إليه الإرهابي، أو المنظمة الإرهابية بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه أو أمن المجتمع الدولي للخطر، إذا كان من شأنه إيذاء الأشخاص أو ترويعهم أو تخويفهم أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الموارد الطبيعية أو الآثار أو الأموال أو المباني أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو مصالح الحكومة أو الوحدات المحلية، أو البعثات الدبلوماسية والقنصلية، أو المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية في مصر من ممارسة كل أو بعض أوجه نشاطها، أو منع أو عرقلة قيام دور العبادة أو مؤسسات ومعاهد العلم بأعمالها، أو تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح، وكذلك كل سلوك يرتكب بهدف الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو بالنظم المالية أو البنكية، أو بالاقتصاد الوطني أو بمخزون الطاقة أو بالمخزون الأمني من السلع والمواد الغذائية والمياه أو بالخدمات الطبية في الكوارث والأزمات”. (من نصوص البرنامج التدريبي للمستعربين، ”الترجمة من العربية إلى الإنكليزية”، الذي طلب إلي تولي مسؤوليته في الفترة شباط/فبراير – أيار/مايو 2008)

         فهذه الجملة المادة مؤلفة من عناصر يترتب أحدها على الآخر وقد ينشئ أي تغيير في الترتيب أو التتابع معنى دخيلا على النص أو يفتح ثغرات لا يقصدها المشرع.

4- Black Friday

 

         في الحديث عن الفروق الثقافية وضرورة وعي المترجم لها واختياره طريق الحرفية أو التصرف المحمود يمكننا أن نتأمل هذا المصطلح “Black Friday” وكيفية ترجمته إلى العربية. وقد ورد في تعريف هذا المصطلح بالإنكليزية ما يلي: “The origin of Black Friday comes from the shift to profitability during the holiday season. Black Friday was when retailers went from being unprofitable, “or in the red” to being profitable, or “in the black”, at a time when accounting records were kept by hand and red indicated loss and black indicated profit. (Also known as: the day after Thanksgiving)”.

 

         فماذا عن نقل هذا المصطلح إلى اللغة العربية؟ هل نقول "الجمعة السوداء" ونسكت أم نضع بعدها بين قوسين "الجمعة التالية لعيد الشكر" أم نقول مثلا "جمعة التسوق" قياسا على التعبير الشائع في العربية "مهرجان التسوق". ينبغي ألا ننسى أننا ننقل المصطلح من ثقافة إلى أخرى ونريد لقارئنا أن يفهم المعنى ويقف على حقيقته.

 

         "هناك من يظن أن الترجمة ليست إلا نقل المعرفة من لغة إلى لغة. هذا الظن شيء يستحق التوضيح لأن المعرفة لا يمكن أن تنتقل من لغة إلى لغة وتبقى هنا كما كانت هناك. فكل لغة لها منطقها وثقافتها. وكل كلمة لها تاريخها وعلاقاتها التي تحملها دلالات تختلف قليلا أو كثيرا عن دلالات الكلمة التي تقابلها في أي لغة أخرى. فالكلمات ليست مجرد علامات رياضية محايدة، وإنما هي رموز مشحونة بالصور والإيقاعات والتجارب والمعتقدات. العرب يؤنثون الشجرة والفرنسيون يذكرونها. وهؤلاء يؤنثون القمر ويذكرون الشمس. ونحن نفعل بالعكس. فعلى المترجم أن يكون واعيا لهذه الاختلافات الحافلة بالمعاني حتى يتصرف فيها على النحو الذي يضمن فهم دلالتها في اللغة الأصلية، ونقلها إلى اللغة الأخرى بأدواتها. معنى هذا أن الترجمة ليست مجرد نقل سلبي من مكان إلى مكان وتبقى محافظة غلى قيمتها. وإنما الترجمة حوار بين لغتين أو بين عقليتين" (أحمد عبد المعطي حجازي، جريدة الأهرام، عدد 6 حزيران/يونيه 2007).

 

         قصدت بهذا الاقتباس من كلام الشاعر المصري المعروف عبد المعطي حجازي إلقاء مزيد من الضوء على ما نحن بصدده الآن، وهو ترجمة مصطلح ليس معروفا للقارئ العربي بثقافته العربية: Black Friday، ونحن هنا أمام عدة بدائل:

أ‌-     إذا كان النص الإنكليزي المراد ترجمته يتضمن تفسيرا للمصطلح أمكننا ترجمته حرفيا "الجمعة السوداء" متبوعة بترجمة التفسير؛

ب‌- إذا كان المصطلح واردا دون تفسير أمكننا ترجمته "الجمعة السوداء" متبوعة بين قوسين بعبارة "اليوم التالي لعيد الشكر"؛

         ج- بدلا عن ذلك، بإمكاننا أن نترجم المصطلح بـ "جمعة التسوق" وكفى، أو نقول "جمعة التسوق بعد عيد الشكر".

 

         وفي نفس مقال حجازي، عاب الكاتب على ترجمة عنوان ديوان الشاعر الفرنسي الشهير شارل بودلير Les Fleurs du Mal بعبارة "ورود الشر" وقال إن الصحيح ترجمة هذا العنوان "أزهار الشر". وقال "نحن نعرف أن الكثيرين "يحبون الورد ويعتبرون كل زهرة وردة. لكننا لا نقبل من المترجم أن يستسلم لثقافته الشعبية فيقع في أخطاء من هذا النوع".

 

         من هنا يتضح أن الترجمة فيها علم وفيها فن. والعلم يكون بدقة المعنى واتباع المنهج والقواعد المعمول بها في اللغة المنقول إليها، فضلا عن الاستيعاب الكامل للمعنى والمصطلح في اللغة المنقول عنها. والفن يكمن في قدرتنا على النقل الثقافي المناسب للغتنا والحرص على أن يفهم القارئ ما يرمي إليه النص. فالقارئ العربي لا يعرف سبب التسمية Black Friday وعبارة "جمعة التسوق بعد عيد الشكر" تعطيه المعنى. ففي ذلك اليوم تزدحم المحلات بالمتسوقين الذين يريدون شراء حاجياتهم قبل مواسم الأعياد الدينية يأسعار مخفضة وتنزيلات كبيرة يقصد بها التجار ترويج بضائعهم قبل عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية. وفي سياق آخر تكون الترجمة الحرفية أدق وأحسن (أزهار الشر وليس ورود الشر).

 

 

5- Red states or Blue states

 

            لنأخذ مثالا آخر هذه الجملة: “Whether we are from Red states or Blue states, we feel in our gut the lack of honesty, rigor, and common sense in our policy debates” (Barack Obama, The Audacity of Hope, Crown Publishers, New York, 2006.”

 

         فإن أردنا ترجمة العبارة red states or blue states إلى العربية، هل نقول "الولايات الحمراء أو الولايات الزرقاء"، وهل يعرف القارئ العربي، الذي لا يمكن لنا أن نتوقع منه متابعة الحياة السياسية في أمريكا متابعة دقيقة، المعنى المقصود من هذه العبارة؟  أشك في ذلك. المعنى المقصود من الولايات "الزرقاء" تلك التي تصوت غالبيتها للحزب الديموقراطي، أما الولايات "الحمراء" فترمز للولايات التي تصوت لصالح الجمهوريين. وفي ترجمة هذا المصطلح يمكننا أن نكتفي بإيراد المعنى أو ننقل العبارة حرفيا متبوعة بالمعنى بين قوسين. ومما يمكن أن يربك القارئ أكثر أن هذا النظام غير الرسمي يتناقض تماما مع ما هو معروف في بقية أنحاء العالم من أن اللون الأزرق يرمز للجناح اليميني والأحزاب المحافظة واللون الأحمر يرمز لأحزاب اليسار والأحزاب الاشتراكية والليبرالية الاجتماعيــة. وهذا أدعى لأن نفسر المصطلح بين قوسين، فنقول: الولايات الحمراء (التي تصوت للحزب الجمهوري) والولايات الزرقاء (التي تصوت للحزب الديموقراطي)، ونكون بهذا قد أوردنا المصطلح وأزلنا الغموض.

إلى هنا

6- Black Monday   

         في سياق آخر يمكننا أن نترجم عبارة Black Monday، حرفيا،  بعبارة "الاثنين الأسود". فما هي قصة هذا المصطلح ولماذا تحسن له الترجمة الحرفية؟ يعود هذا المصطلح إلى عام 1987، في يوم الاثنين الموافق 19 تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام. ففي ذلك اليوم انخفضت مؤشرات داو جونز الصناعية بمقدار 508 نقاط من 2247 إلى 1739. وتعتبر هذه أكبر خسارة حصلت في يوم واحد على مدى تاريخ النشاط المالي كله.  وفيه تراجعت أسواق المال في العالم بدرجة لم يسبق لها مثيل، ومن هنا أطلق عليه "الاثنين الأسود" نظرا للخسائر الهائلة التي منيت بها الشركات والأفراد حاملو الأسهم والسندات.

 

 

بــــاء-التعمــــــق اللغـــــــوي

الإجادة التامة للغة المترجم منها والوقوف على أسرارها ودقائقها والنظرإليها عند الترجمة بمنطق تحليلي يكشف احتمالات الخطأ ويقف على المعاني الاصطلاحية؛ والتمكن التام من اللغة التي ينقل إليها المترجم، إذ تلزمه القدرة على التعبير الواضح الذي يأتيه بصورة تلقائية بفضل إتقانه الكامل لتلك اللغة نتيجة اطلاعه الدائم على أدبياتها وإلمامه العميق بثقافة المتحدثين بها

 

          1- اللغة المترجم منها واللغة المترجم إليها- ربما يذكر بعضنا الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المترجم الذي نقل إلى الإنكليزية ما دار في مقصورة القيادة في الطائرة المصرية، الرحلة 990، التي تحطمت في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1999 في المحيط الأطلسي في المياه الإقليمية للولايات المتحدة ( 60 ميلا جنوب جزيرة نانتكيت، ماساتشوسيتس). فقد ورد في الترجمة الإنكليزية، أو على الأصح في تفسير الأصل أن مساعد الطيار كان يقصد "الانتحار" وتدمير الطائرة عندما قال بالعربية "توكلت على الله" وهو ما يعادل بالإنكليزية  “I put my faith in the hands of God”، والربط بين هذا وبين العزم على الانتحار وتدمير الطائرة ينم عن الجهل بالثقافة العربية والإسلامية. فنحن دائما نقول "توكلت على الله" عندما نعزم على فعل شيء ولو عادي كأن نغادر بيتنا إلى جهة العمل أو ندخل القاعة لأداء امتحان.

 

          وقد تداولت الصحف الأجنبية وقتها هذه العبارة لفترة طويلة مفسرة إياها بأن مساعد قائد الطائرة رددها بنية الانتحار وإسقاط الطائرة بركابها البالغ عددهم 216 راكبا. وثبت فيما بعد، لمن لا يعرف، أن هذه العبارة تأتي على لسان المسلمين عشرات المرات في اليوم الواحد وهي لا تعدو أن تكون نوعا من الدعاء بأن يوفق الله الإنسان فيما يسعى إليه ويعقد النية على إتيانه. وفي الموقع الخاص بهذه الرحلة على الإنترنت جاء ما يلي بعد الحدث بفترة غير قصيرة:

 

"…there still remained a second sentence, a "mysterious utterance" by the pilot who had "uttered a prayer" or "muttered a prayer" and done so "in Arabic" … Little thought was given to the possibility that the pilot could have observed some problem with the plane and called on God to help him; the prayer was instead widely interpreted as voicing the intention to commit suicide and mass murder. Soon, however, the "sinister" quality of the prayer began to erode, as did even its "mysteriousness" or "portentousness." The prayer turned out to be part of the texture of everyday life, a sentence spoken by many Egyptians an estimated two hundred times a day and by many Egyptian-Americans thirty times a day.”

 

           ويهمنا في هذا الصدد أن نؤكد أهمية فهم المترجم للغة المنقول عنها ومعرفة الخلفية الثقافية للمتحدثين بها لكي تجيء الترجمة سليمة معبرة. وهنا يمكن أيضا أن نشير إلى قصة مشهورة دعت فيها مارجريت ثاتشر، رئيسة وزراء انجلترا السابقة، مرافقتها في اليابان إلى تجربة الترجمة بالحاسوب، حيث طلبت السيدة ثاتشر ترجمة عبارة تقال في استحسان طعم اللحم وسهولة مضغه: “the meat is tender”  فنقلها الحاسوب إلى اليابانية بمعنى “the flesh is tender” وضحكك الحاضرون لما يوجد من فوارق بين الكلمتين : meat  و flesh   في الإنكليزية وما يمكن أن يفهم من العبارة من إيحاءات. والمترجم الإنسان غير الحاسوب يلزمه دائما مراعاة الفوارق الثقافية واللغوية  وهو يترجم من لغة إلى أخرى.

 

          وفي صدد اللغة الأصل واللغة الهدف يقول الفرنسيون:

 

“ Traduire, c’est dire bien, dans une langue qu’on sait très bien, ce qu’on a très bien compris dans une langue qu’on sait bien.”  (J.O. Grandjuan, Les linguicides)

 

“ Le bon traducteur ne traduit pas mot à mot ni même phrase par phrase; d’inistinct comme de raison, il se réfère à chaque instant au contexte. “  (Georges Elgosy, Le Désordinateur).

 

(Both quotations are from: Manuel à l’usage des Traducteurs, page 11,  Division de traduction, Service français. )

 

 

         

 

          فأكد المقتطف الأول من دليل المترجمين الفرنسي  أهمية التعمق في اللغتين: اللغة الأصل واللغة الهدف. وأكد المقتطف الثاني أهمية مراعاة السياق وعدم ترجمة الكلمات بل والعبارات في غير سياقها.

 

          2- السياق.. السياق.. ثم السياق ـــ لاح في خاطري وأنا في معرض تأكيد أهمية السياق أن أذكر القارئ إذا كانت له تجربة في شراء شقة أو منزل في نيويورك. فالسمساردائما ما يوصي بموقع العقار الذي تريد شراءه فلا يمل من ترديد هذه العبارة: "Location, Location, Location".. أي أن ما ينبغي أن تضعه نصب عينيك دائما هو موقع المسكن الذي تريد شراءه. وعلى هذا النحو ينبغي للمترجم ألا ينسى أبدا أهمية السياق وأن معنى الكلمة قد يختلف من سياق إلى آخر. فكلمة "company" تعني في سياق ما "شركة" وفي سياق آخر "سرية" وكلمة "division" تعني في سياق ما "شعبة" وفي سياق آخر "فرقة عسكرية" وكلمة “bill” تعني في سياق ما "فاتورة" وفي سياق آخر "مشروع قانون". وكلمة “assessment” تعني في سياق ما "تقييم" وفي سياق آخر"اقتطاعات إلزامية".

 

         ومما يذكر عن كلمة  “assessment”  أنها كانت تلتبس على الكثيرين في البداية. وهكذا ظن أحد المترجمين من خارج الأمم المتحدة أنها تعني دائما "تقييم" فترجم عبارة ""staff assessment إلى "تقييم الموظفين". ولم تكن ترجمة صحيحة فمعنى الكلمة في هذا السياق "الاقتطاعات الإلزامية من مرتبات الموظفين"، وشتان بين المعنيين.  صحيح أن من معاني كلمة "assess" "قيم" و "قدر قيمة" ولكن المعنى ينصرف أيضا إلى تقدير قيمة الأشياء بهدف فرض ضريبة عليها "to make an official valuation of (property) for the purposes of taxation"، (قاموس وبستر).  وقد يكون المعنى تقرير الأنصبة من النفقات أو قسمة التكاليف كما في قولنا في وثائق الأمم المتحدة "to assess the amount of peace- keeping costs among member states"   بمعنى " قسمة تكاليف حفظ السلام بين الدول الأعضاء"، لكي يدفع كل عضو نصيبه من التكلفة.

 

          "وكان من أول ما لفت انتباهنا، نحن المترجمين، في جدول أعمال الجمعية العامة يوم انضممنا إلى الأمم المتحدة في عام 1974 ذلك البند الذي يجري على هذا النحو: "Scale of assessments for the apportionment of United Nations expenditures"  وقرأنا  ترجمته: "جدول الأنصبة المقررة لقسمة نفقات الأمم المتحدة"، وفهمنا الترجمة بعد أن استوعبنا السياق. ومن المبادئ التي تقسم على أساسها ميزانية الأمم المتحدة أو ميزانية عمليات حفظ السلام في شكل أنصبة، مبدأ القدرة على الدفع  (."the capacity to pay")، وهذه تحسب وفق عوامل متعددة، ومنها الدخل القومي للبلد.

 

         

          جيــــــم- الحاســـــوب

         قد يكون من نافلة القول ونحن في عام 2008 التشديد على أهمية الاستزادة من المهارة في استعمال الحاسوب، ومع ذلك فمن واقع العمل يمكن لفت الانتباه إلى ما يلي:

 

         (أ) عند اقتباس بند من جدول أعمال أو عبارة أو فقرة من وثيقة أو اتفاقية و ما إليها، يجب دائما الرجوع إلى الأصل والنقل منه.  ذلك أننا إذا وضعنا جملة وأردنا معرفة مقابلها عن طريق نظام "ليو"، وهو نظام ممتاز، أو باستعمال برنامج "ترادوس"، دون العودة إلى الوثيقة الأصلية قد نقع في خطأ، فنظام "ليو" وغيره يورد كل ما تتضمنه الوثائق حتى ما هو مترجم خارج الوثيقة الأصلية، القرار أو الاتفاقية مثلا.

         وقد لاحظت هذا الأمر أحيانا عندما يكتب المترجم على الشاشة بند جدول أعمال باللغة الأجنبية ويتوقع ترجمة مطابقة لنص جدول الأعمال نفسه وتأتي النتيجة مغايرة لذلك.

 

         (ب) المسألة ليست بكثرة تكرار صيغة معينة، سواء على نظام "ليو" أو بالرجوع إلى "غوغل". فالعبرة بما هو صحيح وليس بما هو كثير. وقد حدث أحيانا أن عاد إلي زملاء قائلين إن هذه الصيغة تكررت أكثر من تلك وبالتالي تكون الأصح، وهذا غير صحيح.

 

         (ج) الأصلح دائما قبل الطبع أن ننظر إلى الوثيقة على الشاشة بعد الضغط على العلامة: "PRINT PREVIEW"  للتأكد من اكتمال النص وعدم ورود كلمات مقطوعة أو أجزاء من كلمات على حواف الصفحات أو في نهاياتها. وكثيرا ما صادفني وقوع إسقاطات من هذا النوع.

 

         (د) يجب  دائما مراجعة الترجمة بمقارنة ورقات الترجمة بورقات الأصل لا بما هو مكتوب على الشاشة، أي أن يكون أمامنا الأصل على ورق والترجمة على ورق، فالتركيز يزداد إذا رفعنا أعيننا عن الشاشة لدى المراجعة النهائية.

 

         (هـ) عدم أخذ ما هو مكتوب في المرجع على أنه قضية مسلم بها، ذلك أنه يحدث أحيانا نتيجة إعادة تدوير الوثائق نقل بنود أو فقرات على حالها دون تغيير ما يلزم تغييره بما يتفق وأية تعديلات تكون قد أدخلت على النص.

        

         دال- ثقافــــــة الإتقــــــان

         يمكن تطويع الذهن وتعويده على الإتقان ويمكن أيضا اكتساب عادات التراخي والتفويت. وقد صادفت على مر السنين من يقول لك صراحة إنه "يترجم  ويقلب" (قلب الشيئ :حوله عن وجهه)، أي أنه يترجم النص ويحول عنه وجهه ويأخذ نصا آخر ويفعل معه نفس الشيء. وهناك من يقول إنني أبذل جهدي وأعرف أن هناك بالضرورة أخطاء في الترجمة ولا سبيل إلى بلوغ حد الكمال. وتجد من يقول إنني مضطر إلى عدم بذل وقت في التدقيق خشية انخفاض الإنتاجية. ولكن هناك أيضا من يقول إنه لم يترك وسيلة إلا حاولها ولم يترك مرجعا إلا استعان به وإنه استشار فلانا وأنفق ما يلزم من الوقت حرصا على خروج العمل من بين يديه دون ثغرات، وإنه يحرص دائما على الارتقاء بجودة عمله. فهذا الأخير ينشد الكمال، وهكذا يجب أن نكون.

 

         ولكي يتقن المترجم ترجمته والمراجع مراجعته ينبغي لهما أن يحرصا على ما يلي، ضمن أمور أخرى:

 

(أ‌)    بدء يوم العمل مبكرا، فالذهن يكون أكثر نشاطا والحماس أكثر اتقادا؛

 

(ب‌)    الحفز الذاتي والنقد الذاتي والتدريب الذاتي: ينبغي للمترجم أن يعمل بدافع من ذاته للتجويد والتحسين. فهو يعمل بجد لأنه يحب ذلك ويريد لنفسه أن يكون مترجما صاعدا واثقا بنفسه في تواضع متمكنا من أدائه. ومن الخصال الحميدة أن يتقبل الإنسان النقد، وأن يكون حريصا كل الحرص على الاستفادة من أخطائه. وينبغي أن يدرب نفسه بنفسه سواء بمقارنة ترجمته بترجمات النص إلى لغات أخرى أو بعمل دراسات جديدة أو بزيادة الاطلاع.

 

       وفي هذا السياق نقتبس من مقال لاثنين من مترجمي المفوضية الأوروبية. ففي مقالة معبرة (منشورة على الإنترنت تعود إلى عام 1999 ) وضعها اثنان من مترجمي المفوضية الأوربية "بيل فريزر وهيلين تيتشن بيث" (Bill Fraser and Helen Titchen Beeth) عنوانها "الحياة الخفية للمترجمين ــــ التنقيب عن منابع الجودة" (The Hidden life of Translators—The quest for the roots of quality) ، وهي خلاصة لحلقات بحث شارك فيها مترجمون كثيرون في المفوضية، أكد الكاتبان أهمية الاطلاع الواسع و الحفز الذاتي (( "being self - motivated”) ، والنقد الذاتي (being self-critical) والقدرة على التدريب الذاتي (“being able to self-trainوكلها أدوات لتوسيع المعرفة والإلمام بالجديد، مما يساعد المترجم في نقل الأفكار والمعاني من لغة إلى أخرى. وجاءت كلمات الكاتبين على النحو التالي، وهي لاتحتاج إلى بيان إضافي: "Translating is one of the most demanding and difficult intellectual pursuits that exist. Over and above the level of linguistic competence, general knowledge of the world and mental flexibility that is required, translators must also be entirely self - motivated if they are to stay in the business long enough to gain worthwhile experience, self-critical if they are to maintain high standards and continue to improve the quality of their work, and, on top of all that, able to self-train"

 

       (ج) الإقلال من استعمال التليفون والحد من الأحاديث الخاصة أثناء العمل، فهذا أدعى إلى زيادة التركيز على المادة. وبهذا يستطيع المترجم/المراجع أن ينجز في مساحة زمنية ضيقة كما جيدا من العمل.

 

       بل إن الباحثين المذكورين "بيل فريزر وهيلين تيتشن بيث" يقولان بعدم وجود علاقة كبيرة بين الوقت الذي يستغرقه المترجم في الترجمة والجودة التي يخرج بها النص. والعبرة كما يقولان هي بمدى التكرس للعمل والشعور بالالتزام بالجودة: Although quality of the finished product “, they say, “is created in the process of translating, there is no direct relation between quality and time spent. What generally distinguishes a good translation from a mediocre or poor one is not the length of time taken but the attention and commitment invested by the translator in the process of translating.”

 

(د) البحث والتقصي: لعنصر البحث في ترجمة الوثائق أهمية كبيرة بخلاف الترجمة الأدبية الإبداعية التي تعتمد كثيرا جدا على الموهبة. فعلينا دائما كجزء من مسعى الإتقان أن نجد في بحث المصطلحات والمعاني وفي تدقيقها والاطلاع على المراجع والاستفادة منها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفق الأول: للجودة معالم أخرى

 

1- حكم التوحيد في الأداء

 

يقول البعض إن اتباع نمط واحد في ترجمة عبارات تتردد كثيرا في النصوص الأجنبية شيء غير مستحب وإن الأفضل هو التنويع في الترجمة كأن يقال مثلا في ترجمةAt the same meeting  ، التي تتردد في الوثائق والمحاضر ويتبعها بيان الأعمال التي دارت في الجلسة: "في الجلسة نفسها"  أو "في الجلسة ذاتها"  أو "في الجلسة عينها"  أو "في نفس الجلسة" أو "في ذات الجلسة". ويقاس على ذلك كلمةIbid وهل تترجم:"المرجع السابق نفسه" أم "المرجع ذاته" أم "نفس المرجع" أم "المرجع نفسه" وكذلك عبارة op.cit وهل تترجم "مرجع سابق الذكر" أم "المرجع السابق الذكر" أم "المرجع الآنف الذكر" أم "مرجع سبق ذكره" أم ماذا، وهل نوحد أم نعدد؟ والصيغة التي اتفق عليها وكرسها الاستعمال هي ما ورد في "دليل الترجمة والتحرير" ص. 86 أي: "المرجع نفسه" مقابل ibid  و"مرجع سبق ذكره" مقابل op.cit، وهذه مجرد أمثلة. وفي هذه النقطة نلاحظ شيئا آخر. فقد يعتقد البعض أننا ينبغي أن نكتب مقابلات هذه التعابير اللاتينية بحروف مائلة باللغة العربية. فمقابل Ibid.   نكتب: المرجع نفسه، بخط مائل، ومقابل op.cit نكتب: مرجع سبق ذكره، بخط مائل، ومقابل inter alia نكتب:" في جملة أمور"، بخط مائل  و cogens Jus "القواعد الآمرة"، نكتبها بخط مائل أيضا وكذلك Mutatis mutandis "مع ما يلزم من تبديل" ، وغيرها. وإذا عرفنا أن النص الإنكليزي يوردها بخط مائل لأنها مأخوذة عن اللاتينية ومكتوبة باللاتينية اتضح لنا أنه لا داعي، ونحن نكتب الترجمة باللغة العربية، أن نضع المقابلات بخطوط مائلة.

        

هذا طبعا لا ينطبق على النصوص الأخرى التي لا عـــــــــــلاقة فيها بين الخطــــــــــوط المائلة واستعمال عبارات لاتينية. فيشار في بعض هذه النصوص باستعمال الخط المائل أو الحروف الداكنة لأسباب يراها المؤلفون ويتركها المحررون كما هي ونتركها نحن المترجمين. و مؤخرا قالت لي إحدى المحررات أن بعض العبارات مثل "inter alia" و "de facto" أصبحت لا تكتب بخطوط مائلة، والسبب في ذلك أنها دخلت القواميس الإنكليزية ولم تعد تعتبر من لغة أخرى.

 

وهنا أيضا، تحت بند التوحيد، يجب عدم تغيير المقابلات اللفظية إذا كان السياق واحدا. مثال ذلك أن يقول الأمين العام ما يلي :

1- On recommendation 6, I am pleased to note…

2- With regard to recommendation 7, I am pleased to note…

3- I am pleased to note the progress achieved on the implementation of   recommendation 10  

 

          والصحيح هنا أن نستعمل فعلا واحدا مقابــــــل فعل إبـــــداء السرور بالإنكليزية "pleased" و لا نقول كما جاء في أحد النصوص "يطيب لي"، و"يسعدني"،  و "من دواعي غبطتي". فقد يظن القارئ أن تعبيرا ما هو أقوى من الآخر وأن ذلك يعني شعور الأمين العام أو المتكلم، أيا كان، بسعادة أكبر أو أقل، علما بأنه يستعمل في الإنكليزية تعبيرا واحدا لا يتغير. وقس على ذلك عبارات مثل: The committee is concerned about the continuing influx of refugees  or the committee is also concerned about the situation in the Middle East . فهنا أيضا لا تخرج ترجمتنا عن التعبير عن "القلق" فنقول: إذ يساور اللجنة القلق لاستمرار تدفق اللاجئين (أو إذ يقلق اللجنة استمرار تدفق اللاجئين)، و إذ يساور اللجنة القلق أيضا إزاء الحالة في الشرق الأوسط، وهكذا.  فلا نغير من الكلمات ما دام السياق واحدا ولا ينبغي أن نشير هنا إلى مشاعر الاستياء أو الانزعاج فهذه مقابلات لكلمات أخرى. ودليلنا في هذا الصدد هو دائما فواتح القرارات،  وهي متاحة بصورة ورقية وأخرى إلكترونية.

 

         وفي سياق التوحيد تحدث أحد المندوبين قبل سنوات عديدة، وكان كلامه صحيحا، فقال إن ترجمة بعض المسميات غير موحدة وضرب لذلك مثلا باسم أحد المؤتمرات وقد ورد بأربع صيغ ثم قال "فهل هناك من يحدد لنا الاسم الذي يتعين علينا، نحن الوفود العربية، استخدامه حين نتراسل مع حكوماتنا في شأن هذا المؤتمر؟".

 2- الامتناع عن التغيير الانفرادي      

         يتصور البعض أن بإمكانهم تغيير مصطلح أو تعبير مستقر في الوثائق التي يعملون عليها دون الرجوع إلى الدائرة لتعميم التغيير. هذا جائز أحيانا إذا كان السياق يقتضي التغيير ولكن ينبغي أن يتم  بالتشاور وعدم الانفراد بالرأي وفي أضيق الحدود.

         وتغيير مسميات اللجان غير جائز قبل الاتفاق على تعميم التغيير على الجميع. مثال ذلك أن يغير أحد ترجمة اسم هذه اللجنة "committee on the elimination of discrimination against women" إلى "لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة" لأن الترجمة التي يستعملها الجميع: "اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة" لا تعجبه، أو يغير ترجمة كلمة "interpretation" إلى "الترجمة الفورية" لأن ترجمة الكلمة إلى "الترجمة الشفوية" لاتعجبه، أو يغير ترجمة "US dollar" إلى "دولار أمريكي" لأن عبارة "دولار الولايات المتحدة" لا تعجبه مع أن هذه الترجمة الأخيرة مستعملة في كل لغات الأمم المتحدة. كل هذا وغيره يخرج بنا عن الهدف المتوخى في إعداد الوثائق. وكثيرا ما كان ظهور المسميات بصور مختلفة محل اعتراضات شديدة من بعض المندوبين. فسأل أحدهم في إحدى المناسبات: "كيف أستطيع أن أخاطب حكومتي وأمامي وثائق المؤتمر وقد سمي بمسميات مختلفة". ولم يستطع أحد مناقشته في هذا المنطق.

 

3- عدم استخدام صيغة المبني للمجهول إذا كان الفاعل معروفا

ينسى البعض هذه القاعدة العامة ويستخدمون الصيغة المذكورة فيجيء الأسلوب ضعيفا يظهر فيه النقل من لغة أجنبية. مثال ذلك ما يلي:

"تفيد أسر المخطوفين بأن الأطفـــــال أخذوا قسرا من قبل الحزب"  والصياغـــــــــة العربية السليمة تقتضي أن نقول "تفيد أسر المخطوفين بأن الحزب أخذ الأطفال قسرا"؛ وأيضا :"...  خلال وقف إطلاق النار من جانب واحد من جانب الحزب الشيوعي، أفادت منظمات حقوق الإنسان بوقوع الآلاف من حالات الخطف" والصياغة العربية السليمة تقتضي أن نقول:"...  خلال وقف إطلاق النار الذي أعلنه الحزب الشيوعي من جانب واحد، أفادت منظمات حقوق الإنسان بوقوع الآلاف من عمليات الخطف." وأيضا: "لا توجد مؤشرات تدل على تسريح عدد كبير من القصر من قبل الحزب" والصياغة العربية السليمة تقتضي أن نقول "لا توجد مؤشرات تدل على تسريح الحزب عددا كبيرا من القصر"، وأيضا: "وتدار الصناديق والبرامج بواسطة رؤسائها التنفيذيين"، والصياغة العربية السليمة تقتضي أن نقول: "ويدير الصناديق والبرامج رؤساؤها التنفيذيون".

 

4- ترتيب أسماء الأشخاص والمنظمات والمدن في الوثائق

ترتب بعض البلدان العربية أسماء الأشخاص في أدلة الهاتف وغيرها بحسب الاسم الأول للشخص. وهذا ما لا نفعله في وثائق الأمم المتحدة. فالأسماء ترتب، حيثما ينبغي ترتيبها، بحسب الاسم الأخير للشخص. و ثمة سؤال آخر يتعلق بترتيب المنظمات والمدن أبجديا إذا كانت مرتبة أبجديا في النص الأصلي، والإجابة نعم نرتبها أبجديا شأنها شأن الدول (انظر دليل الترجمة والتحرير، ص.78).

5- التذكير والتأنيث في المسميات والوظائف

 

         إذا كان واضحا التأنيث استعملنا الفعل والضمائر بالمؤنث. وإذا لم يكن واضحا  استعملنا صيغة المذكر. فإذا عرفنا أن الـ chairperson ، مثلا،  سيدة  قلنا "الرئيسة" وإلا قلنا "الرئيس"، وقلنا "نائبة الرئيسة" للمؤنث  وقلنا "نائبة الرئيس" إذا عرفنا أن "الرئيس" رجل، وقلنا "نائب الرئيس" للمذكر. وهناك أيضا النهج التقليدي بتذكير المنصب، فنقول مثلا: السيدة... رئيس قطاع الإعلام أو السيدة (Ms.)، أستاذ العلاقات الدولية. ونقول "السيدة" سواء كتبت في الإنكليزية “Miss”  أو “Mrs. علما بأنهم  يستعملون الآن المختصر : Ms.  في الغالب الأعم .  وفي اللغة العربية،  عموما ما يشمل المذكر المؤنث: فـ"الموظف"، مثلا، يشمل "الموظف"  و"الموظفة"  و لفظة "الموظفون" تعني أيضا "الموظفات" إلى آخره. فإذا أشير مثلا في الإنكليزية إلى “staff member" أو إلى“worker”  أو إلى “lawyer” وتبعت ذلك  إشارة بـ he/she  اكتفينا في العربية بقولنا : "الموظف"للموظف والموظفة" و "العامل" لـ "لعامل والعاملة" و"المحامي" لـ "المحامي والمحامية"، وهكذا.

 

ومما يذكر هنا أن المادة 2 (ب) من قانون التربية والتعليم في الأردن تتضمن ما يلي: "لغايات هذا القانون، يشمل لفظ المذكر المؤنث كما يطلق المفرد على المثنى والجمع". وفيما يتعلق بالمقطع الأخير من هذه المادة: "إطلاق المفرد على المثنى والجمع"، يلاحظ أننا في صياغاتنا القانونية للمعاهدات والاتفاقيات عندما نقول "الدولة" يمكن أن نقصد "الدول" وعندما نقول "العامل" نقصد "العاملين" وليس بالضرورة ذكر الكلمة بالجمع إلا إذا اقتضى السياق. ولكن المثنى حالته تختلف. فإذا أشير في النص الأجنبي إلى "اثنين" استعملنا المثنى فاستعمال المفرد هنا لا يعطي المعنى. وإذا وردت صيغة الجمع استعملنا صيغة الجمع. وقد يكون المثنى مفهوما من اللفظ نفسه. فإذا كان النص الإنكليزي يقول: "to build two schools" كان بإمكاننا أن نقول ”بناء مدرستين”، وكفى. ولا داعي لأن نقول ”مدرستين اثنتين”، إلا إذا جاء النص الإنكليزي هكذا to build no more than two schools "ففي هذه الحالة يمكن أن نقول ”بناء مدرستين اثنتين فحسب”، أو "بناء مدرستين، لا أكثر"، والقصد هو تأكيد العدد. وفي سياق آخر لدى بيان الوظائف الجديدة، يرد أحيانا ما يلي: "establishment of 1P-2 post, 2 P-3 posts, and 3 P-4 posts"، فهل يجب في هذه الحالة أن نقول ”إنشاء وظيفة واحدة ف-2 ووظيفتين اثنتين ف-3، و3 وظائف ف-4؟”. لا مانع من أن نترجمها على هذا النحو، ولكننا نستطيع الإيجاز في ترجمتها فنقول: "إنشاء وظيفة ف-2 (بالاستغناء عن كلمة "واحدة") ووظيفتين ف-3 (باستعمال المثنى لأننا لا نستطيع أن نقول: 2 وظيفة لما هو واضح من الركاكة)، و 3 وظائف ف-4.

والأمثلة كثيرة على الاكتفاء بالمفرد، ومنها ما جاء في المادة 127 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (Rome Statute of the International Criminal Court) حيث تضمنت  الفقرة 2 من هذه المادة ما يلي : "لا تعفى الدولة، بسبب انسحابها، من الالتزامات التي نشأت عن هذا النظام الأساسي أثناء كونها طرفا فيه" (A state shall not be discharged, by reason of its withdrawal, from the obligations arising from this statute while it was a party to the statute".فالمقصود بالدولة "كل دولة" أي "الدول". وجاء أيضا في أحد المحاضر الموجزة ما يلي: "وقال إن وفده يسلم بأن نفقات المنظمة ينبغي أن تتقاسمها الدول الأعضاء. بيد أن هذا المبدأ لا يتعارض مع مسؤولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دوليا" (He said that his delegation recognized that the Organization’s expenditures should be shared by member states. However, that principle does not contradict the principle of state responsibility for internationally wrongful acts.)

 فالدولة هنا تعني "كل دولة" أي "الدول" بالجمع.

 

6- تقـــــــديم الضمــيــــر

يوجد أحيانا في بعض النصوص من يقدم الضمير على الاسم. مثال ذلك هذه الجملة "Fearing for their safety, parents may keep daughters from attending classes".   التي جاءت ترجمتها على هذا النحو "وخوفا على سلامتهن، قد يمنع الآباء بناتهم من حضور الدروس". والأفضل أن نقول "وقد يمنع الآباء بناتهم من حضور الدروس خوفا على سلامتهن".

 

ولا يجوز أيضا أن نقول على النمط الإنكليزي: "وفي حين تقر بإمكانية فقدان التأييد وبالتأثير السلبي على الأمن، فإن حكومة أفغانستان تخطط بعناية للقيام بعمليات موجهة لإتلاف المحاصيل، بمساعدة من المجتمع الدولي". والصحيح أن نقول: "وفي حين تقر حكومة أفغانستان بإمكانية فقدان التأييد وبالتأثير السلبي على الأمن، فإنها تخطط بعناية للقيام بعمليات موجهة لإتلاف المحاصيل، بمساعدة من المجتمع    

الدولي     "While recognizing the potential for loss of consent and the negative impact on security, the Government of Afghanistan, assisted by the international community, is planning to conduct carefully targeted eradication operations".

 

وفي وثائقنا كثيرا ما تتكرر عبارات من قبيل  "At its 57th session, the General Assembly did so and so."   ونراها مترجمة أحيانا هكذا: "وفي دورتها السابعة والخمسين، فعلت الجمعية العامة كذا وكذا". والأفضل أن نقول "وفي الدورة السابعة والخمسين، فعلت الجمعية العامة كذا وكذا". وهذه الصيغة الأخيرة لا تترك مجالا للشك في أن الدورة هي دورة الجمعية العامة، ونكون قد احتفظنا في نفس الوقت بالصياغة العربية السليمة واتبعنا ترتيب العبارة في النص الإنكليزي.

 

 ومن قبيل التقديم غير المناسب نذكر الجملة التالية:"Furthermore, staff members who, by the time the change becomes effective, have an acquired right under existing rules to be considered for permanent appointment, would then be given such consideration."

وترجمت هذه الجملة في البداية كالآتي:"وإضافة إلى ذلك، سينظر في ذلك الحين في أمر التعيين الدائم للموظفين الذين يكون من حقهم المكتسب، بحلول موعد إنفاذ التغيير، أن ينظر في منحهم تعيينا دائما وفقا للقواعد الحالية". فالعبارة التي تحتها خط في العربية لا محل لها، فما هو ذلك الحين المشار إليه؟ في النص الإنكليزي جاءت كلمة   "then"بعد بيان "الحين" وهو "حلول موعد إنفاذ التغيير". فالنص الإنكليزي يستقيم بها في موضعها هذا ويمكن أن يستقيم أيضا بحذفها. وفي النص العربي، لا يستقيم النص بتقديم "الإشارة إلى الحين" قبل "الحين" نفسه"، والصحيح أن نحذف عبارة "في ذلك الحين" كلية لأن المعني يتضمنه ما جاء بعدها.

 

وهناك من قال بوجود نص في القرآن الكريم قدم فيه الضمير على الاسم في هذا المقطع من سورة طه:"فأوجس في نفسه خيفة موسى فالضمير في "نفسه" سبق الاسم "موسى". ولكننـا إذا رجعنا إلى البـداية وجدنا أن الاسم" موسى" عليه السلام قد تكــرر في آيـات كثيرة من سورة طه ابتداء من الآية 8 "وهل أتاك حديث موسى". وفي ذات الآية التي استشهد بها من استشهد جاء ما يلي قبل المقطع المذكور: "قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى. قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى". صدق الله العظيم. (الآيات 64 إلى 68). و من هنا يتضح أن الأمر ليس كما قيل ولا يوجد ما نعنيه من تقديم الضمير.

 

ولكن ليس كل التقديم ممجوجا. فيلجأ إليه أحيانا لتأكيد الشيء كما في المثل المشهور"على أهلها جنت براقش". والقصد هنا هو أنها هي التي جنت على أهلها هي، والمعنى يكون أخف كثيرا وخاليا من التأكيد لو قلنا "جنت على أهلها براقش”. وإليك بعض الاستطراد على سبيل التخفيف في عرض هذه المواد الجادة. فقصة هذا المثل هي أنه كان لقوم كلبة اسمها براقش. وفي إحدى الليالي أقبل أعداء أولئك القوم في الظلام يبحثون عن مكانهم فلم يهتدوا إليه، فيئسوا وهموا بالعودة. ولكن تلك الكلبة أحست بالأعداء فنبهتهم بنباحها إلى مكان قومها فهاجموهم وقضوا عليهم، فكانت تلك الكلبة سببا في نكبة قومها ومصيبتهم.(معجم الأمثال العربية، محمود صيني وآخران، مكتبة لبنان، ص 137).

 

7- ترتيب الصفات في الإنكليزية وما يقابلها في العربية

إذا قيل في الإنكليزية: "General temporary assistance" فماذا تكون الترجمة الصحيحة: "المساعدة العامة المؤقتة" أم "المساعدة المؤقتة العامة"؟ ولماذا؟ الصحيح أن نقول "المساعدة المؤقتة العامة" لأن الصفة الأهم في الصيغة الإنكليزية هي التي تسبق الموصوف مباشرة يليها غيرها من الصفات. والصفة الأهم هنا هي "temporary" تليها الصفة الأخرى وهي "general". وبالمقابلة في العربية نقول (المساعدة "المؤقتة" ثم "العامة"). هذه هي القاعدة.

ولنأخذ مثالا آخر هذه العبارة “inalienable national rights” إذ نترجمها "الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف" وليس "الحقوق غير القابلة للتصرف الوطنية" فالصفة الألصق بالموصوف "الحقوق" هي “national” أي "الوطنية" تليها "غير القابلة للتصرف" “inalienable”. ومثال آخر هذه العبارة “basic legal instruments” ونترجمها "الصكوك القانونية الأساسية" وليس "الصكوك الأساسية القانونية"، وكذلك “African National Congress”  "المؤتمر الوطني الأفريقي" وأيضا “transnational organized crime” "الجريمة المنظمة عبر الوطنية" و “international criminal court” "المحكمة الجنائية الدولية"، وهكذا.

 

 8- التقيد بالترتيب الوارد في النص الأجنبي

قد يكون ترتيب الأشياء بحسب الأهمية أو بحسب ترتيب معالجة المواضيع في النص ولا يصح في ترجمة الوثائق  أن نغير من  الترتيب الذي ارتآه واضع النص. مثال ذلك  الجملة التالية: Regular and dependable income enables poor people to access development benefits in order to support children in their care as well as themselves. . فإذا ترجمنا هذه الجملة كالآتي كما ورد في أحد النصوص: "ومن شأن توفير دخل منتظم يعول عليه أن يمكن الفقراء من الاستفادة بمزايا التنمية ومن العناية بأنفسهم وبالأطفال الموجودين تحت رعايتهم" نكون قد غيرنا من المعنى. فالكاتب يريد أن يركز أولا على العناية بالطفل وبعدها تأتي العناية بالنفس.

 

 وثمة مثال آخر ورد في أحد العناوين بإحدى الوثائق، ذلك هو: “advocacy and media” فإذا ترجمنا هذا العنوان هكذا: "وسائط الإعلام والدعوة" نكون قد أخطأنا الهدف. ذلك أن المعنى قد يختلف بين "الدعوة ووسائط الإعلام" وبين "وسائط الإعلام والدعوة". فقد تعني الصيغة الأخيرة "ما الذي تفعله وسائط الإعلام في موضوع الدعوة؟" أما الصيغة الأولى فيمكن أن تقرأ في جزأين: "الدعوة" و "وسائط الإعلام" والرابط بين الاثنين يعود إلى الفاعل الرئيسي وهو في هذا النص:"إدارة شؤون الإعلام" وما الذي تفعله هذه الإدارة إزاء موضوعي "الدعوة" و "وسائط الإعلام". ويؤكد هذا المعنى أن النص تطرق إلى "الدعوة" في الفقرة التالية مباشرة للعنوان وإلى "وسائط الإعلام" في الفقرة اللاحقة.

 

ومن الأمثلة الدالة في هذا الموضوع ما قصدت إليه اللجنة التحضيرية لوضع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث طلب إلى لجنة الصياغة بمؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية (روما، 15حزيران/يونيه - 17 تموز/يوليه 1998) التقيد الشديد بترتيب العبارات. فقد دار حوار حول التقديم والتأخير في العبارة التالية: "functions and powers or powers and functions"  (الوظائف والسلطات أم السلطات والوظائف) ((الفقرة 2 من المادة 4 من النظام : للمحكمة أن تمارس وظائفها وسلطاتها، على النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي، في إقليم أي دولة طرف، ولها ، بموجب اتفاق خاص مع أي دولة أخرى، أن تمارسها في إقليم تلك الدولة)) وكذلك في العبارة التالية: ""relevance and admissibility or admissibility and relevance (الصلة والمقبولية أم المقبولية والصلة) ((الفقرة 8 من المادة 69: عند تقرير مدى صلة أو مقبولية الأدلة التي تجمعها الدولة، لا يكون للمحكمة أن تفصل في تطبيق القانون الوطني للدولة)). واتفق في النهاية لأسباب قانونية أن تأتي "الوظائف" قبل "السلطات" و "الصلة" قبل "المقبولية"، كما هو واضح من نص المادتين. ومن هنا  يجب علينا ألا نغير من ترتيب العبارات ضمانا لعدم مخالفة القصد من الترتيب في اللغة الأصل، وهذا من أصول الترجمة الوثائقية.

 

9- الترجمة الرسمية وما يلزمها من الدقة

 

لننظر إلى هذه العبارة الإنكليزية : "the Security Council expects the Secretary General's report to make concrete recommendations on …" وترجمتها العربية كما جاءت في أحد النصوص: "ويتوقع مجلس الأمن من الأمين العام أن يقدم في تقريره توصيات بشأن...". فعبارة يتوقع المجلس من الأمين العام، شأنها في التعبير شأن ما يقال أحيانا "أتوقع منك أن تفعل كذا وكذا"، وهو ما يقوله شخص إلى شخص آخر بصيغة التوجيه بل والأمر، أحيانا، بعمل الشيء. وهذا ما أرادت العبارة الإنكليزية تفاديه فانصب "التوقع" على التقرير :"the Council expects.…the Secretary General’s  report…to make recommendaations….". وجاءت صيغة هذه العبارة، على النسق الإنكليزي، أخف في اللغات الأخرى.  ففي الإسبانية مثلا صيغت العبارة  على النحو التالي:  "El Consejo de Seguridad espera que en el informe del Secretario General se hagan recommendaciones…" .  ومن الناحية العملية تقع المسؤولية في النهاية على الأمين العام إلا أن لاختيار الألفاظ في الأمم المتحدة أهمية خاصة. وكثيرا ما ترفض مشاريع قرارات "تدين الدولة: ثم تقبل بعد إدخال تعديل يدين العمل الذي قامت به الدولة أو السياسة التي انتهجتها. فــ "Condemns the state…" عبارة قد لا يقبلها الأعضاء ويقبلون عوضا عنها هذه العبارة:  "condemns the policies (or the actions) of the state…"  .  وبذا يكون من الأفضل في ترجمة الجملة التي وردت في بداية هذه الفقرة أن نقول: "يتوقع مجلس الأمن أن يتضمن تقرير الأمين العام توصيات ملموسة بشأن...".

         وقد يظن البعض أن شيوع الخطأ يعطينا سندا للاستعمال. ولكن الأفضل دائما في ترجماتنا الرسمية، وهي ترجمات رصينة لوثائق هامة حساسة تعدها أفضل نخبة في أكبر هيئة عالمية، أن نتقيد بالصواب وأن نترك الخطأ ولو كان شائعا. فإذا فرطنا اليوم في القليل سهل علينا أن نفرط غدا في الكثير. وقد رأينا بعض كتابنا وقد وصل بهم الحد إلى طلب إلغاء صيغة "المثنى" من اللغة العربية.

 

10- بيانات الترويسة العليا (masthead)  في  القرارات

 

         البعض يعتقد أن بيانات ترويسة القرار ينبغي أن تتضمن الكلمة:"Arabic"  وتحتها نكتب  originalتليها على السطر نفسه اللغة الأصل. وهذا صحيح في مشاريع القرارات والمقررات وحدها وليس في القرارات أو المقررات ذاتها. وهكذا تأتي ترويسة القرار كالآتي دون زيادة:

 

 A/RES/60/1

Distr.: (here we write the category as in the original)

(and  here  we write the date as in the original)

 

 

 

11- بيانات الترويسة العليا في المحاضر الموجزة

         التاريخ في المحاضرالموجزة يترك لوحدة تجهيز النصوص. فعليهم بحسب القاعدة أن يكتبوا على المحضر تاريخ يوم العمل التالي لطباعة المحضر. فإذا كتب المحضر يوم الخميس مثلا كتب عليه تاريخ الجمعة وإذا طبع المحضر يوم الجمعة كتب عليه تاريخ الاثنين وإذا كان يوم الاثنين إجازة كتب عليه تاريخ الثلاثاء، وهكذا دواليك. والسبب في ذلك أن الوفود تعطى مهلة أسبوع من تاريخ طباعة المحضر لتقديم ما تراه من تعديلات. وهذا مبين في حاشية المحاضر.

 

12- كتابة أرقام الصفحات أو الفقرات:

 

الصفحتان المتتاليتان:

إذا قيل في الإنكليزية: pages 21-22

          كتبناها بالعربية هكذا: الصفحتان 20 و 21بالاستعاضة عن الشرطة بالحرف"و".

الصفحات المتتالية:

إذا قيل في الإنكليزية: pages 21-25

         كتبناها بالعربية هكذا: الصفحات  21 إلى 25.

وما ينطبق على الصفحات ينطبق على الفقرات وما إليها.

        

13- كتابة الفصول وتفريعاتها

إذا جاء في الإنكليزية ما يلي، مثلا،:"In chapter III, part 2, paragraph 10,"

         كتبناها في العربية كالاتي: "في الفقرة 10 من الجزء 2 من الفصل الثالث،".

 

وإذا جاءت هذه البيانات بين قوسين كالآتي: (see chapter III, part 2, paragraph 10)، تركناها على الترتيب الذي جاءت به في النص الإنكليزي. ففي هذه الحالة نكتب مايلي: (انظر الفصل الثالث، الجزء 2، الفقرة 10).

         وفي هذا اتباع للعرف الذي جرت عليه الدائرة.

 

14- صفحة الغلاف

تلي اسم الجهة المنظمة للاجتماع تواريخ الانعقاد. مثال ذلك:

”Human Rights Commission

10-25 March 2007”

وتكون الترجمة في هذه الحالة:

         لجنـة حقـوق الإنسان

                                  10-25 آذار/مارس 2007، بوضع شرطة بين التاريخين.

 

15-  كتابة رقم العمل ( (Job number

من الضروري دائما كتابة رقم العمل فهو بطاقة هوية الوثيقة. ويلزم أيضا شطب أرقام العمل القديمة في الأعمال المعاد تدويرها (طبعا في حالة عدم نقلها مباشرة من الحاسوب بما هو مدون عليها من أرقام العمل)، دون طمسها، فقد يستفيد الطابع بالرجوع إليها لنقل ما يلزم.

وجدير بالتذكير أيضا أن من المفيد أن يكتب المترجم من الملاحظات ما يراه مفيدا لمساعدة المراجع، وخاصة إذا تعلق الأمر ببحث غير عادي أجراه المترجم أو بوثيقة مرجعية ليس سهلا معرفة رمزها. مثال ذلك أن قرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي لا تصدر منفردة بل ضمن وثائق برموز مستقلة، وكتابة الرمز في الهامش، إذا توصل إليه المترجم، توفر على المراجع وقتا سبق أن أنفقه المترجم، فكلنا نعمل بروح الفريق.

 

 

 

 

 

المرفق الثاني: أين الخطأ

 

 

ضع يدك على الخطأ في الترجمات التالية:

 

 

النموذج الأول (الأصل بالإنكليزية):

 

In accordance with rule 55 of the provisional rules of procedure of the Security Council, the following communiqué was issued through the Secretary-General in place of a

verbatim record

 

Conformément à l’article 55 du Règlement intérieur provisoire du Conseil de sécurité, le communiqué ci-après a été publié par les soins du Secrétaire général en lieu et place d’un procès-verbal de séance 

 

De conformidad con lo dispuesto en el artículo 55 del reglamento provisional del Consejo de Seguridad, se emitió el siguiente comunicado por conducto del Secretario General, en lugar de un acta literal

 وفقا للمادة 55 من النظام الداخلي المؤقت لمجلس الأمن، أصدر الأمين العام بدلا من محضر حرفي البلاغ التالي:

В соответствии с правилом 55 временных правил процедуры Совета Безопасности вместо стенографического отчета через посредство Генерального секретаря было опубликовано следующее коммюнике

 

 

النموذج الثاني:

 

 

Approximately 400 persons still remain in temporary shelters around the cities of Gonaives and Mapu, a community in the southeast of the country (Haiti) which was flooded in May 2004.

 

 

         و لايزال نحو 400 شخص يقيمون في أماكن إيواء مؤقتة حوالي مدينتي غونايف ومابو، وهي مجموعة سكانية تعيش في جنوب شرق البلاد (هايتي) تدفقت على المنطقة في أيار/مايو 2004.

 

 

 

 

النموذج الثالث:

 

However, the Haiti National Police (HNP) remained unable to exercise public security functions throughout the country, and has yet to effectively address allegations of corruption and human rights violations against some of its officers, negatively affecting its image in the eyes of the population.

 

 

            غير أن شرطة هايتي الوطنية ظلت عاجزة عن القيام بمهام حفظ الأمن العام في جميع أنحاء البلاد، بل عليها فوق ذلك أن تتصدى بفعالية لادعاءات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان المقترفة ضد بعض ضباطها التي تؤثر سلبيا على صورتها في أعين السكان.

 

النموذج الرابع:

 

The first registration (of voters) office opened in Gonaives (Haiti); other centers are opening in a staggered manner as premises become available and security can be achieved.

 

وفتح أول مكتب للتسجيل في غونايف، وتفتح المكاتب الأخرى بطريقة متعثرة بحسب توفر المباني وإمكانية توفير الأمن.

 

 

النموذج الخامس  (الأصل بالإنكليزيـة):

 

(The Working Group):

 

Requested its secretariat to make arrangements for it to hold an informal two-day session, with one day of interpretation, for work on draft recommendations on communications, to be held immediately following the thirty-eighth session of the Committee.

.

 

الترجمة الفرنسية:

A demandé à son secrétariat de prendre des dispositions pour tenir, immédiatement après la clôture de la trente-huitième session du Comité, une session officieuse de deux jours, dont une journée sera consacrée à l’interprétation, afin de préparer les projets de recommandations sur les communications

.

 

الترجمة الروسية:

 просила свой секретариат принять меры для проведения неофициальной двухдневной сессии, один день которой будет посвящен вопросам толкования для выработки проектов рекомендаций относительно сообщений и которая должна быть проведена сразу же после тридцать восьмой сессии Комитета

 

    الترجمة العربية: "طلب (الفريق العامل) إلى أمانته وضع ترتيبات له ليعقد دورة غير رسمية تدوم يومين، مع تخصيص يوم واحد للتفسير، للعمل على مشاريع التوصيات بشأن الرسائل، تعقد فورا عقب الدورة الثامنة والثلاثين للجنة؛

 

الترجمة الإسبانية:      Pidió a su secretaría que dispusiera lo necesario para que, inmediatamente después del 38º período de sesiones del Comité, el Grupo celebrase un período de sesiones oficiosas de dos días de duración, uno de ellos con servicios de interpretación, dedicado a los proyectos de recomendación sobre las comunicaciones

النموذج السادس:

 

"The Commission on the Status of Women requested the Secretary General to review the situation of and to assist Palestinian women by all available means ".

 

الترجمـــة العربيـــة:

 

" طلبت لجنة وضع المرأة إلى الأمين العام أن يواصل استعراض الحالة وأن يقدم المساعدة إلى المرأة الفلسطينية  بكل الوسائل المتاحة

 

 

 

 

 

 

 

المرفق الثــــــــــالث: قراءت

 

 

 

The New Yorker

Q. & A.

Living Language

June 11, 2007

 

Sweetheart Sorrow,” in the Summer Fiction Issue, is the first published story by David Hoon Kim. Here Kim discusses translation and identity with his editor, Cressida Leyshon.

 

CRESSIDA LEYSHON: In your story this week, the narrator, Blatand, is a Danish speaker of Japanese origin who lives in Paris, dates a Japanese woman, and makes money by translating a French text into English. At one point, Blatand says, “A foreign language allows one to rename the world and everything in it.” Were you interested in looking at the relationship between language and identity?

DAVID HOON KIM: In a word, yes. I’ve always been obsessed by languages, perhaps because I don’t really have one that I can claim wholly as my own. It might have something to do with the fact that, having lived in Korea until I was eight, and then in the United States and France, I don’t really have a native language—at least, not the way most people define a native language. I feel at home in more than one language, but never quite completely at home in any. I’ve always been disturbed by how often people confuse the words “nationality” and “ethnic origin”—both here in the U.S. and in France—as though the two were interchangeable. (One’s nationality, all too often, is not the same as one’s ethnic origin—and sometimes neither is the same as one’s national origin.) For me, these terms are far from interchangeable, and my nationality and my ethnic origin give only a partial picture of who I am. I speak French and Korean but do not have French or Korean nationality, which doesn’t keep me from feeling French or Korean, especially when I’m in the U.S., just as I feel very American when I’m in France. As a result, rather than adhere to a nationality or seek affiliation with a native language, I see myself as an inhabitant of the French language, a denizen of the Korean language, and a citizen of the English language. For me, the bond between language and identity is at once unavoidable, tenuous, and paradoxical. I suppose this might be what I was trying to get at in my story, even if the character’s ancestry happens to be Japanese, not Korean.

Much of the dialogue in this story is conducted in French (although the story is written in English), and some of the most important exchanges concern words that are misunderstood or whose meanings vary in different languages. Was it challenging to find a way of representing this in English? Did you follow any particular logic in deciding when to use French words and when to stick to English?

Yes, it was quite a challenge. My basic rule for deciding when to use French words was when I saw that it was absolutely indispensable—when a translation or paraphrase wouldn’t do, when an equivalent of a French word or expression didn’t exist in English. The meaning also had to be self-explanatory, either from the context or from the many similarities in etymology between French and English that I regularly take advantage of, when I can, in my fiction.

I am used to depicting other languages and foreign realities in my English-language fiction, as many of my stories are set in France or, inversely, have French-speaking characters in English-speaking environments. Not only that, but my stories written in English usually take place in France, while my stories written in French often take place in the U.S. This geographical chassé-croisé can be explained by a simple lack of confidence on my part: I didn’t feel I could compete with native French-speakers writing about their own people; just as, in English, there were writers, of Asian descent or not, writing about the U.S. much better than I ever could. At the same time, I wanted to be true to myself as a writer. I’ve always felt that it doesn’t matter what you write about; what matters is how you write about it.

As a result, there are a lot of times when a story requires me to explain or translate this or that foreign cultural aspect, and I realize how second-rate and secondhand such attempts are, ultimately. For example, there is an instance of wordplay in the current story that hinges on the similarity between the French expressions en revenant (coming back, returning) and un revenant (a ghost). I was very happy to have thought of it, only to realize how much more effective it would have been had the story itself also been in French: I wouldn’t have had to explain anything. I’ve had many other moments like that, when I wonder for a moment whether the story wouldn’t be more effective in the other language.

Blatand is translating a physics text written by an eccentric old scientist. Blatand admits that the little knowledge of physics he has was gleaned from magazines and science-fiction novels. I wondered whether you knew more about theoretical physics than Blatand—or whether you started writing this story with his level of knowledge. Did you do much research for this part of the story?

I actually didn’t have to do a lot of research. Not because I have a scientific background but because, when I started writing the story, I was working as a technical translator, like my character, albeit under somewhat less harrowing conditions. So the vocabulary and the details were already in my head. At the time, for each of my translating gigs I would spend about a week on research—interviewing specialists, attending conventions or fairs—before and while I was translating. So I was a little bit better off tackling the subject than Blatand, but by no means an expert. And, of course, even though I am capable of translating scientific documents, I don’t understand everything I translate. It was the discrepancy between what I knew and what I didn’t know that, I think, became the catalyst of my story. I had to research the Japanese and the Danish parts, as well as some of the literary references, but I didn’t do any research for the physics.

Do you find translating and writing to be quite different disciplines, or do they draw on the same skills?

Although I spent three years working as a freelance technical translator, I have always had an enormously hard time going from one language to another. I don’t know why this is. For me, the languages inhabiting my brain are not neatly lined up next to one another—it’s more like a jumbled mess—and no one word in one language has an ideal equivalent in another. I’ve always imagined my head as a darkened room, where all I have is a flashlight, so that I can never see the whole room, only parts of it at a time. Just the other day, while writing in English, I couldn’t remember the word “blackmail”; my brain would only give me the word in French—chantage—and, as I don’t own any bilingual dictionaries, it took me something like an hour of on-and-off thinking to remember the word “blackmail.” I try to keep the two languages separate when I write, but I find that one language is always contaminated by the other. For the longest time, I was beginning a lot of sentences in English with a subordinate clause, less noticeable and more natural in French. I didn’t realize how deeply this habit had infiltrated my writing style until a reader finally pointed it out.

In any case, I think that if you are a literary translator—especially of poetry—it’s not unlike being a writer. The translation must read not like a translation, but as though the writer had written the same work in another language. I think the best translators of literature always rewrite rather than translate, all the while remaining faithful to the original text. In scientific translation, the principal concern is being just familiar enough with the terminology involved to translate the document into another language as competently as possible. No more, no less. In some ways, it’s not unlike writing fiction, in that if your main character is a neurosurgeon you should know enough about neurosurgery to make the character convincing without necessarily being able to perform surgery yourself. Freelance translators, like fiction writers, are dilettantes, going from one subject to another, from theoretical physics to dermatology to horses—generalists rather than specialists.

This is the first story you’ve published. How long have you been writing fiction?

I’ve been writing fiction for ten years. For most of my life I thought I would become a comic-book artist. Ever since I was small, I’ve drawn and made my own comics, and during my adolescence, after I came to the U.S., I began to submit drawings to Marvel. When I was nineteen or so, I learned to speak French from a Swiss-American friend who spoke French at home with his parents and also from reading the French Symbolist poets, after which I took some French-literature classes. It was around that time, I think, that my interest shifted from drawing to writing. Not long afterward, I moved to France, where I spent roughly a third of my life. It was in France, writing in French, that I learned to be rigorous and exacting about things like word choice and sentence structure. If French has a reputation for being an exact language, it’s because those who write in it take care to be exact. I was always afraid of using a word incorrectly, of making even the slightest grammatical error. Good writing is praised differently in France than in the U.S. For example, people here will say, “Fitzgerald writes very well,” but people in France will say, “Proust writes French very well.” Before I showed any of my French writer friends my work, I was always checking and double-checking each word in the dictionary, a habit that has since carried over into English. I think the French language was instrumental in forming me as a writer.

Were the works of any other fiction writers significant influences when you were working on this story? Are there writers whose work you return to?

For this particular story, Haruki Murakami was definitely a big influence. Murakami and Kobo Abe. In addition, I am constantly inspired by the work of Vladimir Nabokov. What I most appreciate about Nabokov is his inexhaustible eye for observation and his seamless mixture of realism and fantasy, two things that I continually aspire to, with varying degrees of success, in my own writing. There are a number of other writers and specific works I find myself returning to: Kafka; Georges Perec; Danilo Kis’s “The Encyclopedia of the Dead”; the magical realism of Adolfo Bioy Casares and Julio Cortázar; Donna Tartt’s “The Secret History”; the Québécois writer Ook Chung, who writes in the vein of Georges Rodenbach, a turn-of-the-century Belgian Symbolist—to name just a few. Whenever I want to read beautifully written sentences, I take down from my shelf one of Samuel Beckett’s later French novels or open James Joyce’s “Ulysses” to a page at random.

I wondered whether this story is part of a collection or a longer work. Are we going to see Blatand again? Or is this it?

I’m not working on a collection of stories per se, but I am working on three stories that take place in, respectively, Paris, Germany, and a Swiss sanatorium. It’s possible that I might bring back Blatand in a longer work at some point in the future. I feel as though I haven’t got to the bottom of his character. In a sense, I consider Blatand to be my alter ego, and I would like to write something else about him, another story or perhaps even a novel.

What are you working on at the moment?

At the moment, I am revising what I hope will be the final draft of a novel about a French household in German-occupied Paris, and at the same time revising a novel I wrote in French, about a French professor at an American college, partly inspired by and modelled on Nabokov’s novel “Pnin.”

Do you think “Sweetheart Sorrow” would be the same story if it were to be written in French?

In the past, I found myself torn between wanting to write in English and wanting to write in French. In the same manner, I have always been conflicted about what kind of stories I wanted to write—character-driven, psychologically realistic human dramas, with a classical narration, or more structurally experimental, fantastical, idea-driven texts. There are no doubt writers who do both at once, but I, unfortunately, am not one of them. When I was working on a “realistic” story, I felt that I should be more true to my experimental self, and vice versa. Over time, I noticed that my writing in English was more traditional, while my writing in French was less conventional. There are exceptions, but that’s the general pattern now.

To answer your question, I don’t think it would be the same story if I were to write it in French—because I could only have written it in English. Which is also why I never think about translating my own writing. That said, Samuel Beckett’s work, absolutely unique in literature, fascinates me no end. True, other writers have written works in more than one language and translated some of their own books. But no one else has duplicated his own oeuvre so perfectly. In general, I am the worst decision-maker I know, and I can’t imagine anything worse than having to choose between two equally viable paths. I see Beckett’s work as the ultimate example of having one’s cake and eating it. Nabokov also wrote two significant bodies of work in two languages, but he didn’t always translate his own works, and, when he did, it was mostly from Russian to English. In my own modest way, I like to think of myself as an amalgam of the two writers. This might sound a bit premature, but I don’t see myself abandoning one or the other language. At the same time, I think I would be my own worst translator.

Are you planning on returning to France, or staying in Iowa City, where you recently completed an M.F.A., or moving somewhere else altogether?

There’s a part of me that would like to return to France. I left because of the writing program at Iowa. Like a lot of people, perhaps, I applied to the program hoping but not really expecting to get in. I appreciate Iowa City for what it offers to someone used to small, European cities, where you can get around, more or less, without a car, and where the stores are within walking distance. The advantage of not living in France is that it’s easier to write about it. (When I was in France I was always writing about the U.S.) In a few months I’ll be moving to southern California, near Los Angeles, where my girlfriend lives, and where I hope to teach part-time and, of course, write. 

ملاحظة: القصةSweetheart Sorrow  تقع في 10صفحات ويمكن الاطلاع عليها بالرجوع إلى عدد هذه المجلة بتاريخ 11حزيران/ يونية 2007.

عبد المجيد حسن

 28نيسان/أبريل 2008

-------